ما هو الطبيعي؟
الكثير من المقالات التي تدعو إلى خفض أسعار الفائدة تُعطي الانطباع بأنّ الأسعار الحالية غير طبيعية ومرتفعة بشكلٍ غير مستدام. ولكن هل هذا هو الحال بالفعل؟
المصدر: الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس (سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفدرالية، مؤشر أسعار المستهلكين لجميع المستهلكين في المناطق الحضرية)
سجّل متوسط سعر الفائدة من 1955 حتى اليوم نسبة 4,63%، وسجل متوسط معدل التضخم نسبة 3,54%. على الرغم من أن كلاهما قد يُعتبران "مرتفعَين" وفقاً للمعايير الحالية، إلّا أنّهما يمثلان ما يمكن اعتباره الوضع الطبيعي "القديم". بعبارة أخرى، ليس من المستبعد أن يستمرا على المدى الطويل.[1]
ما الذي تغير؟
شكّلت السنوات من 2010 حتى 2020 فترة مواتية للأسواق المالية والتجارة العالمية و(بشكلٍ عام) السلام العالمي. لماذا لا يمكننا العودة إلى ذلك الوضع الطبيعي؟
الأسباب كثيرة ومعقدة، ولكن قد تساعد بعض البيانات كثيراً في تفسير ذلك. ارتبط جزءٌ كبير من الاستقرار الذي شهدته الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتعاش بعد جائحة كورونا، بالإنفاق الحكومي المموّل من الاقتراض.
وفقاً لبعض التقديرات، فإنّ لكلّ دولار واحد من الاستثمار الصافي أضيف 1,90 دولار من الدين.[2] ونتيجةً لذلك، نما الدين الوطني الأمريكي من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في أوائل الألفية إلى أكثر من 120% في الوقت الحالي. بطبيعة الحال، ليس هذا مصدراً مستداماً للنمو.
بالإضافة إلى الأفق الجيوسياسي الذي يسود فيه عدم اليقين ويؤدي إلى زيادة تكاليف التجارة، وعوامل أخرى تسبب ارتفاع التكاليف كالانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء (طاقة أغلى) وتقدم القوى العاملة في السن (تراجع الضرائب الواردة)، بقيت للحكومات مساحة ضئيلة لتمويل النمو بالطريقة التي كانت تعتمدها حتى الآن.
لماذا لا يزال هناك أمل؟
بينما قد تضطر الحكومات للاختيار بين الكثير من الخيارات السيئة، يمكن للمستثمرين الأفراد استهداف عوائد مماثلة أو حتى أعلى ممّا كانت عليه في الأوقات التي يُطلق عليها "الأوقات الجيدة". كيف ذلك؟
بالتأكيد، ستؤثر تكلفة الديون المرتفعة بشكلٍ كبير على الكثير من الشركات والمستهلكين، ما يؤدي إلى تقليل العوائد الإجمالية لأسواق الأسهم.[3] سيتأثر قطاع العقارات وبعض مجالات قطاع التكنولوجيا بشكلٍ خاصّ، حيث لعب الدين الرخيص دوراً رئيسياً في التقييمات حتى الآن.[4]
الجانب المشرق هو أنه في البيئة الجديدة، لن تزدهر الشركات الجيدة كما كانت من قبل فحسب، بل سيكون لديها أيضاً منافسة أقل. وفي حين أنّ وفرة رأس المال الرخيص في السابق جعلت المستثمرين والمقرضين أقل اطّلاعاً، سيكون الاطلاع والمعرفة في المستقبل هو المسار الصحيح للتفوق من حيث الأداء على المدى الطويل.
الطريقة الفنية لصياغة هذا هي أنّ تفاوت العوائد سيرتفع مع تقلّص توافر رأس المال.[5] وعلى مستوى الاقتصاد الكلّي، من المرجح أن نرى نمو الناتج المحلي الإجمالي ونمو سوق الأسهم يعودان للترابط معاً، إذ تخرج الشركات الأضعف من السباق وتصبح الإنتاجية، بدلاً من الدَين، هي المحرّك الرئيسي للنمو.
الاستراتيجية المستعدة للمستقبل
بالنسبة للمستثمر المتكيف، لا يوجد ما يسمى بـ"أسوأ سيناريو محتمل"، حيث أنه هناك فائزين حتى في لعبة محصلتها النهائية سلبية.
إن القدرة على تحديد القطاعات التي لن تتأثر بالاضطرابات القادمة، والأهم من ذلك، فرق الإدارة الواعدة ومقترحات القيمة ضمن هذه القطاعات، ليست استراتيجية ممكنة فحسب، بل ضرورية أيضاً.
بالطبع، يتطلب تنفيذها جهداً أكبر من الاستراتيجيات السلبية التي ازدهرت عندما كان النمو موزعاً بشكل أكثر توازناً. كما أنها تتطلب استعداداً لاستكشاف قنوات غير تقليدية لكشف الفرص التي سيفوّتها المستثمرون الآخرون – غير القادرين على نسيان أيام أسعار الفائدة المنخفضة جداً.
كشف إعلان حديث لبنك JP Morgan Private Bank بحروف بارزة: "انتقلت الاستثمارات البديلة من كونها غريبة إلى ضرورية." تشكّل استثمارات الأسواق الخاصّة، سواء كانت الأسهم أو الدين أو العقارات، فرصةً جديدةً للمستثمرين، وتتيح إمكانية الحصول على الألفا في الأسواق الهابطة.
لا يوجد طريق مختصر أو "زر سهل" لتحقيق هذه العوائد، لكنّ تحالفكم مع فريق متمرّس يمكن أن يوفر لكم الميزة المطلوبة في السعي لتحقيق هذه العوائد.
هل وجدتم هذا المقال مفيداً؟ اقرأو تحليلنا قبيل انعقاد اجتماع الاحتياطي الفدرالي في يونيو 2024.