من وجهة نظر المستثمرين، كان الاستثمار في الشركات العامّة يُعتبر تقليديّاً أكثر أماناً من الاستثمار في الشركات الخاصّة. وفي الظاهر، لا يزال هذا منطقيّاً. يجب أن تحقّق الشركة قدراً معيّناً من النجاح لتكون مؤهّلة للطرح العام الأوّلي، وعندما تصبح عامّة، تخضع لدرجة أكبر من الشفافيّة مقارنةً بالشركات الخاصّة، ما يعني أنّه باستطاعة المستثمرين مراقبة الأداء بسهولة أكبر.
كما كان الاستثمار في الشركات العامّة في العادة مربحاً جدّاً. يشهد مؤشر S&P 500 حاليّاً على سبيل المثال موجة ارتفاع منذ حوالي عقد ونصف تقريباً. وبالعودة أكثر إلى الوراء، نلاحظ أنّ أسواق الأسهم الأمريكيّة حقّقت عوائد ممتازة على المدى الطويل للمستثمرين الذين صمدوا في السنوات الخمسين الماضية.[1]
ومع ذلك، قد يتغيّر كلّ هذا. لماذا؟
تغيّر التوازن بين الشركات الخاصّة والشركات العامّة
أحد التغيّرات الأساسيّة في المشهد العام هو عدد الشركات التي تقرّر إمّا البقاء كشركات خاصّة لفترة أطول أو حتّى شطب إدراجها (الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص). وأتت النتيجة على شكل انخفاضٍ ثابتٍ في عدد الشركات العامّة بالإجمال.
على سبيل المثال، بلغ إجمالي عدد الشركات العامّة المُتداولة في البورصات الأمريكيّة ذروته في 1996 (أكثر من 8 آلاف)، وانخفض منذ ذلك الوقت إلى أقلّ من النصف ليصل إلى 3618.[2] وعلى الصعيد العالمي، أصبحت الآن 75% من الشركات الأعلى ربحاً في العالم (بإيرادات تتخطى المليار دولار) شركات خاصّة.[3]
لماذا هذا التغيير؟ كما سبق لنا أن تناولنا في مقال آخر، يتّسم التحوّل إلى شركة خاصّة بعدد من المزايا للشركات ذاتها ولمستثمريها أيضاً. وتتضمّن هذه المنافع المزيد من التحكّم، والتعرّض بنسبة أقلّ إلى كلّ من تقلّبات الأسواق والتوقعات قصيرة الأجل، وتراجع العبء التنظيمي.
ولكن المنفعة الرئيسيّة هي أنّ بقاء الشركة خاصّة لفترة أطول يعني أنّه من الممكن الحصول على نسبة أعلى من العوائد التي تأتي من نموّ الشركة خلال هذه الفترة.
إنّ الظاهرة الجديدة نسبياً والتي تُعرف باسم "شركات اليونيكورن" (أي الشركات الخاصّة التي تتجاوز قيمتها المليار دولار) هي مثال على ذلك، وتنتظر معظم هذه الشركات ومنها Uber وAirbnb حوالي عقدٍ من الزمن قبل أن تصبح عامّة، إذا أرادت ذلك على أي حال.[4]
إعادة تقييم المجال
تتنامى ظاهرة الصعود السريع لما يُعرف بـ"الأسواق الخاصّة" كسوق مقابل للأسواق العامّة.[5] ونموّ الصناديق التي تجمع رأس المال وتوزعه على الشركات الخاصّة في شكل ديونٍ أو أسهمٍ، فيعني أنّ هذه الشركات لديها قائمة قويّة وموسّعة من خيارات التمويل.
كما يُمكن للمستثمرين الذين يركزون على المستقبل غير المؤكد لعوائد الأسواق العامّة في فترةٍ تشهد ارتفاع كلّ من التضخّم وأسعار الفائدة (اقرأوا دراستنا التقنيّة حول تغيّر التوازن) أن يتوقّعوا عوائد أعلى مقابل مستوى مماثل من المخاطر. وكما أشار مارك روان، الرئيس التنفيذي لشركة Apollo Global Management في حديثه مؤخراً، ليست الشركات الخاصّة بالضرورة استثمارات أكثر خطورة من الشركات العامّة، إذ يكمن الفرق في نهاية المطاف في السيولة.[6]
يدفع المستثمرون في الأسواق العامّة بشكلٍ أساسي "علاوة سيولة" لأنّهم في الحقيقة قادرين على شراء وبيع الاستثمارات بسهولة. وتكون صفقات الأسواق الخاصّة عادةً غير سائلة، مع آفاق زمنيّة تتراوح بين 7 و10 سنوات. ولكن كما أشار مارك روان، لا يشكل انعدام السيولة مشكلة للمستثمرين على المدى الطويل، كمن يدّخرون للتقاعد مثلاً، ولا يستحق بالتالي الدفع مقابل السيولة هذا العناء.
بيّنت الدراسات أنّ أدوات الدين الخاصّ ذات المخاطر المماثلة قادرة على تحقيق عوائد أعلى من نظيراتها في الأسواق العامّة بنسبة تتراوح بين 0,6% و0,9%، ويعود ذلك ببساطة إلى الاختلاف في السيولة.[7] وبالطبع، يمكن لهذا الفارق أن يكون أكبر بكثير للصفقات الفرديّة. وعندما يتعلّق الأمر بالأسهم الخاصّة، قد يكون فارق السيولة أكبر من ذلك، ويُقدّر بنك Barclays علاوة بين 2% و5%.[8]
الخلاصة
لاحظ الكثيرون أنّ الأسواق العامّة تعتمد بشكلٍ متزايد على عددٍ قليلٍ من أسهم التكنولوجيا على غرار Apple وNvidia وMicrosoft لتحقيق النموّ المستمرّ.[9] يُسجّل مستوى التركيز الحالي، مع تركّز 35% من السوق في أوّل 10 أسهم، أعلى مستوياته تاريخيّاً، ومن المهمّ الإدراك أنّ هذا الاتّجاه خاصّ بأسواقٍ محدّدة.
بناءً على ما تقدّم، يجدر إعادة التفكير فيما إذا كانت النظرة إلى الأسواق العامّة على أنّها "آمنة" والأسواق الخاصّة على أنّها "مخاطرة" قد صمدت أمام اختبار الزمن. وإذا كانت الظروف قد تغيّرت في العقدين الماضيين، فمن الأفضل أن يُعدّل المستثمرون إستراتيجيّاتهم بناءً على ذلك والنظر في رؤية أكثر شموليّة لفرص الأسواق العالميّة.
هل وجدتم هذا المقال مفيداً؟ اكتشفوا دور الأسواق الثانويّة.