في اجتماع الفدرالي يومي 31 أكتوبر والأوّل من نوفمبر، لم يُغيّر أسعار الفائدة عن مستواها منذ يوليو وأبقاها بين 5,25% و5,50%. لم تتفاجأ الأسواق بذلك إذ يُتوقّع عموماً أن تبقى أسعار الفائدة عند مستوياتها الحاليّة حتى بعد اجتماع ديسمبر.
هل تبرّر البيانات الاقتصاديّة الكليّة تيسير السياسة النقديّة من جديد؟
المصدر: الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
سياق القرار الأخير
في الاجتماع الأخير، كانت لدى الفدرالي بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل. على الرغم من الارتفاع غير المتوقَّع لمؤشر أسعار المستهلكين (CPI) في الصيف وبينما ارتفعت أسعار الوقود مؤقتاً، تراجع مؤشر النفقات الأساسيّة للاستهلاك الشخصي الذي يستثني الغذاء والطاقة من 4,9% في يناير إلى 3,7% في سبتمبر.[1]
غير أنّه ينبغي أن يتراجع التضخّم حوالي 2% إضافيّة ليصل إلى متوسّط 2% الذي يستهدفه الفدرالي. كانت اللّجنة الفدرالية للسوق المفتوحة بحاجة إلى المزيد من الأدلّة على أنّ التضخّم سيستمرّ في الانخفاض أكثر ولن يرتفع مجدّداً.[2]
قال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول بعد القرار إنّ "بضعة أشهر من البيانات الجيّدة" ليست مؤشراً كافياً على أنّ الولايات المتّحدة في طريقها إلى السيطرة المستدامة على التضخّم.[3]
ما الذي حصل منذ ذلك الحين
في غضون ذلك، استمرّت الأرقام بإظهار التقدّم.
أظهرت أرقام الوظائف في سبتمبر محدوديّة سوق العمل، حيث تخطى نموّ الوظائف غير الزراعيّة التوقعات بما يعادل 297 ألف وظيفة مقابل زيادة 150 ألف وظيفة فقط في أكتوبر، وهي بين الأبطأ حتى الآن، بينما ارتفع معدّل البطالة إلى 3,9%.[4]
تفاعل الفدرالي مع هذه النتائج بحماس خافت.[5] وشكّلت أرقام مؤشر أسعار المستهلكين لأكتوبر إضافةً إلى الأخبار الإيجابيّة، حيث تراجع من 3,7% إلى 3,2% بسبب أسعار الطاقة. أمّا بالنسبة إلى مؤشر النفقات الأساسيّة للاستهلاك الشخصي الذي يركّز عليه الفدرالي بشكل أساسي، فاستمرّ في تراجعه البطيء والثابت من 3,7% إلى 3,5%.[6]
ورغم ذلك، لا يزال التضخّم أعلى من النسبة المستهدفة بعض الشيء.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الناتج المحلّي الإجمالي من 2,1% إلى 4,9% في الربع الثالث، ويُتوقّع تراجعه إلى حوالي 2% في الربع الرابع.[7] ومع ذلك، قد يشير ذلك إمّا إلى أنّ تأثير زيادة أسعار الفائدة لم يظهر بشكلٍ كامل بعد أو أنّه قد تكون هناك حاجة لاتخاذ إجراءات إضافيّة لتفادي ارتفاع التضخّم من جديد.[8]
ما الذي سيحدث بعد ذلك
أظهرت توقعات الفدرالي الأخيرة لشهر سبتمبر أنّ الأغلبيّة تؤيّد زيادة أسعار الفائدة إلى نسبة تتراوح بين 5,5% و5,75% (+0,25%) بحلول نهاية العام،[9] لكن يبدو ذلك غير محتمل الآن.
مع توالي البيانات المشجعة منذ الاجتماع الأخير، استعادت الأسواق بشكل كامل تقريباً ما فقدته منذ الذروة في منتصف العام.
يعتقد المشاركون في السوق (95,8% في وقت كتابة هذا المقال) أنّ أسعار الفائدة ستبقى ثابتة في ديسمبر.[10] وقد تحوّل الحديث بالفعل إلى متى ستبدأ أسعار الفائدة بالانخفاض.
لكن مدى انخفاض أسعار الفائدة يعتمد على كيفيّة تعريفنا للوضع "الطبيعي" الذي سنعود إليه.
المصدر: الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الأزمة الماليّة العالميّة (1992 إلى 2008)، بلغ متوسط أسعار الفائدة حوالي 4%. ومنذ الانهيار وحتى فترة ما قبل جائحة كورونا مباشرةً (2010 إلى 2019) بلغ متوسّط أسعار الفائدة نسبة 0,6%.
في كلا الفترتين، ساهم الخفض الكبير لأسعار الفائدة في حدوث فقاعات (كسوق الإسكان) و/أو التضخّم، وهو ما يرغب المشرعون بتفاديه. رغم ذلك، أمضى الكثير من المشاركين في الأسواق معظم حياتهم المهنيّة في فترة ما بعد الأزمة الماليّة العالميّة وقد يسعّرون بالتالي وفقاً لاحتمال العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة.
الخلاصة
لا أهميّة كبرى للتوقيت الدقيق وتفاصيل زيادة أو خفض أسعار الفائدة بالنسبة إلى الاستثمار طويل الأجل. غير أنّ المناقشات حول أسعار الفائدة قد تساعد في تحديد الاتّجاهات والتحوّلات الأساسيّة، مثل ما إذا كنّا ندخل في نظام جديد للسوق.
لا ينطوي التخطيط للمستقبل على خطوات متسرّعة للاستفادة من الفرص أو الانسحاب منها، بل يتطلّب تخصيص الوقت لتصميم استراتيجيّة طويلة الأجل لتخصيص الأصول بناءً على مواقف مدروسة ومعمقة.
[1] الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
[6] مكتب التحليلات الاقتصاديّة
[7] الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا