يركّز هذا المقال على مخاطر السوق ويوضح الفرق بين الهندسة الماليّة والاستثمار التقليدي النشط.
ما هي مخاطر السوق؟
تُعرّف مخاطر السوق على أنّها المخاطر المتعلّقة بالخسائر في الاستثمارات الماليّة نتيجةً لتحرّكات غير مواتية للأسعار.
يشير "السوق" إلى كلّ ما يحصل في النطاق الأوسع، ويشمل مسائل كالوضع الاقتصادي والتغيّرات التنظيميّة وتقلّبات أسعار الصرف وتغيرسياسات الحكومات والبنوك المركزيّة.
لمخاطر السوق أهميّة خاصّة في المنتجات المهيكلة، لأنّ كلّ منتج مُهيكل يعتمد على مجموعة من النتائج تحدّدها قوى السوق.
مثال
لنأخذ في الاعتبار منتجاً مُهيكلاً يتألّف من سندٍ من دون قسيمة مع خيار شراء سلعة كالنفط الخام.
على الرغم من أنّ هذا المنتج مضمون نظريّاً من حيث رأس المال (أي أنّ المستثمر قد لا يتلقّى قيمة السند في نهاية الفترة)، قد يتعذّر على الجهة المصدرة سداد مدفوعات السند في ظروف غير مواتية في السوق. سنتطرّق إلى هذه النقطة بتفصيلٍ أكبر في المقالات المقبلة.
إذا ارتفع سعر النفط الخام، ترتفع قيمة خيار الشراء بسبب الفرق بين سعر السوق وسعر "تنفيذ الخيار"، وتتحسّن بالتالي قيمة المنتج.
لكن إذا حصل تباطؤاً اقتصاديّاً عالميّاً متوقّعاً، فإنّ سعر النفط الخام قد يتراجع بشكلٍ كبير. وإذا لم يتعافَ في نهاية فترة الاستثمار، لن يكون لخيارات الشراء قيمة وستنتهي صلاحيّتها بلا قيمة وتنخفض قيمة المنتج.
قدّ يُصمَّم المنتج المهيكل أيضاً بتوقّع تراجع قيمة النفط الخام بسبب استمرار الركود الاقتصادي واحتوائه على خيار "بيع" بدلاً من خيار الشراء.
قد تتسبّب أزمةً مفاجئةً كاندلاع حرب في ارتفاع أسعار النفط. إذا بقي سعر النفط مرتفعاً طوال فترة الاستثمار، فستفقد الخيارات كامل قيمتها.
اعتبارات أخرى
يمكن أن تكون الخسائر المذكورة أعلاه أكثر حدّة إذا طُبّق الرفع المالي على المكوّن المشتقّ، إذ يُكبّر الرفع المالي الأرباح والخسائر. وبالتالي، قد يحصل المستثمر على أقلّ من استثماره الأصلي في حالة الخسارة.
غالباً ما تترافق المنتجات المهيكلة الأكثر تعقيداً مع افتراضات حول الترابط بين الأصول المتعددة، حيث تُستخدم الأصول ذات الترابط التاريخي المنخفض كإجراء للوقاية من المخاطر، أي أنّه إذا تراجع أحد الأصول، تبقى الأخرى ثابتة.
غير أنّ السابقة التاريخيّة لا تُحدّد المستقبل. قد تتحرّك فئات الأصول بشكل غير متوقّع في نفس الاتجاه (في حال وجود أزمة مالية عالمية مثلاً)، ما يؤدي إلى فقدان الحماية من تراجع قيمة رأس المال.
كيف تختلف الاستثمارات في الأسواق الخاصة؟
قال جون مينارد كينيز: "يُمكن أن تبقى الأسواق غير منطقيّة لفترة أطول من قدرتكم على الحفاظ على ملاءتكم الماليّة." من المستحيل توقّع تحرّكات الأسواق، وهي مشكلة تواجهها جميع الأصول. حتى النقد – أقلّ الأصول مخاطرة – يمكنه فقدان قيمته عبر الارتفاع المفاجئ للتضخّم.
المشكلة في المنتجات المهيكلة أن فترة الاحتفاظ بها محدّدة، ولا يمكن تغيير تصميمها بعد شرائها.
حتى إذا ثبُتت الافتراضيّة التي يستند إليها المنتج المهيكل – كقطاع مقوّم بأقلّ من قيمته أو سلعة سعرها مبالغ فيه، يجب أن يحدث التصحيح خلال فترة حياة المنتج التي غالباً ما تكون قصيرة.
الاستثمارات في الأسواق الخاصة معرّضة أيضاً لمخاطر السوق، لكنّها تختلف عن المنتجات المهيكلة من ناحيتين مهمّتين.
أوّلاً، عادةً ما تكون فترة الاحتفاظ بالاستثمارات الخاصة أطول (عدّة سنوات إلى عقود) من فترة الاحتفاظ بالمنتجات المهيكلة، كما أنها ليست ثابتة.
ثانياً، يُمكن التكيّف مع تغيرات السوق عبر خفض التكاليف أو الاستثمار في التسويق أو إعادة تركيز المنتجات.
الأفق الطويل الأجل يتيح الوقت لإجراء تغييرات تكيّفيّة على الأعمال، ما يسمح للمستثمرين بتجاهل "ضوضاء" السوق والتركيز على النجاح طويل الأجل للأصل نفسه.
الخلاصة
يمكن لاستثمار طويل الأجل – كالاستثمار في الأسواق الخاصة – أن يتكيّف مع البيئة، ما يسمح له بتحمّل ظروف السوق قصيرة الأجل وتقديم أداء متفوّق على المدى الطويل.