الرئيسية
أفكار
ركن المعرفة

المنتجات المُهيكلة: تعرّفوا على المخاطر

المنتجات المُهيكلة: تعرّفوا على المخاطر

يوحي مصطلح "المنتجات المُهيكلة" بدرجةٍ عالية من الخبرة والدقة، وهو ما يعكس تماماً الطريقة التي يتمّ تسويقها بها للمستثمرين.

لكن عند التمعّن في تفاصيلها، يتّضح أنها تُستخدم غالباً كأدوات تمويلٍ متطوّرة لصالح البنوك التي تُصدرها أكثر من كونها مصمّمة لتلبية احتياجات المستثمرين. بل إنها قد تُعرّضهم لمخاطرَ غير ضروريةٍ.

في هذا المقال، نستعرض كيفية حدوث ذلك وأسبابه.

Mar 13, 2025فهم مخاطر المنتجات المهيكلة - 5 min
hero

ما هي المنتجات المُهيكلة؟

ما المقصود بالمنتجات المُهيكلة ببساطة؟ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال نظراً لتعدد أشكالها (كالسندات المحمية رأس المال والسندات العكسية القابلة للتحويل والسندات المرتبطة بالأسهم مثلا). لكن بشكلٍ عام، يشير المصطلح إلى مزيجٍ بين منتجٍ للدخل الثابت (كالسندات) ومنتجٍ مشتق (كالخيارات).

الهدف من هذه المنتجات هو الجمع بين ميزتين للمستثمرين: استقرار السندات مع إمكانية تحقيق نموٍ إضافي في حال أداء السوق كما هو متوقع. وبفضل مرونتها العالية، يمكن تصميمها لتلبية أهداف العائد لدى مختلف المستثمرين. حتى الآن، تبدو الفكرة واعدة.

لكنّ واقع المنتجات المُهيكلة أكثر تعقيداً بكثير، وهنا تكمن المشكلة. فعادةً ما يتمّ تسويق الجوانب الإيجابية السهلة الفهم للمستثمر، فيما تبقى التفاصيل حول المخاطر الحقيقية غير واضحة.

على سبيل المثال، قد يُطرح المنتج على المستثمر بالقول: "إذا انخفض السوق، فسيبقى رأس المال محمياً. وإذا ارتفع، فستحققون الأرباح." أمّا الرسوم والتكاليف الضمنية والمخاطر الفعلية، فغالباً ما تكون مدفونة في وثائقٍ طويلةٍ ومعقدة، إن ذُكرت أساساً.

 

لماذا اعتُمدت المنتجات المُهيكلة؟

لم تأتِ المنتجات المُهيكلة نتيجة طلبٍ واسعٍ من المستثمرين. حتى اليوم، نادراً ما يستيقظ المستثمرون الأفراد ويتصلون بوسطائهم الماليّين لطلب "سندٍ عالمي تراكمي قابل للاستدعاء ومرتبط بالأسهم"، على سبيل المثال.

الفرضية الأكثر منطقية هي أنّ هذه المنتجات المُهيكلة تُستخدم كوسيلةٍ لجمع رأس المال بتكلفةٍ منخفضة لصالح الجهات المُصدِرة. وعلى عكس السندات، فإنّ مدفوعات المنتجات المُهيكلة تعتمد غالباً على شروطٍ معينة بدلاً من أن تكون مضمونة، كما أنها تُسدَّد عند انتهاء مدة المنتج، التي تمتد في العادة على عدة سنوات.

وهنا تُصبح المقارنة بالسندات أمراً منطقياً. فإذا كان المستثمر مستعداً لتحمّل المخاطر الائتمانية لبنكٍ معين، فلماذا لا يشتري ببساطة سندات ذلك البنك بدلاً من ذلك؟ فالسندات تقدّم معدل فائدةٍ ثابت وشروط سدادٍ أوضح وسيولة أعلى. في المقابل، غالباً ما تتضمن المنتجات المُهيكلة تكاليف ومخاطر إضافية لا تكون واضحة للمستثمر منذ البداية.

 

لماذا تفضّل البنوك المنتجات المُهيكلة على السندات؟

  1. تكلفة أقل على الجهة المُصدرة: تتطلّب السندات من البنك دفع الفائدة بانتظام، بينما تتيح له المنتجات المُهيكلة تأجيل المدفوعات وربطها بشروطٍ محدّدة، ما يقلّل غالباً من التكلفة الفعلية للتمويل.

  2. رسوم ضمنية أعلى: غالباً ما تتضمّن المنتجات المُهيكلة تكاليف ورسوم مخفية، ما يعني أنّ المستثمر يدفع أكثر مقارنةً بالاستثمار المباشر في السندات.

  3. تحويل المخاطر إلى المستثمرين: يتمتع حاملو السندات بحمايةٍ قانونية وحقّ ثابت في الأصول في حال الإفلاس، بينما يجد مستثمرو المنتجات المُهيكلة أنفسهم غالباً في آخر قائمة المطالبين.

تمّ تصميم هذه المنتجات بعناية لضمان تحقيق الجهة المُصدرة للأرباح منها في معظم الحالات. وبمعنى آخر، هي مُعدّة بحيث يدفع المستثمر في المتوسط أكثر من التكلفة الفعليّة لتأمينها. وهذا يتناقض مع الطريقة التي يتمّ تقديمها بها، حيث تُسوّق عادةً على أنها "حلّ يحقق الربح للجميع". فما الذي تخفيه البنود التفصيليّة؟

 

المخاطر المخفية

بدايةً، صُمّمت المنتجات المُهيكلة لتحقيق العوائد إذا تحرّك السوق وفق سيناريو محدّد. لكن في حال كان السوق أكثر تقلباً من المتوقع أو انخفض أكثر مما كان متوقعاً أو حتى حقق أداءً أفضل من التوقعات (وهي جميعها احتمالات طبيعية تماماً) فقد يجد المستثمر نفسه في وضعٍ سيء.

قد يُقال إن هذا ينطبق على جميع الاستثمارات، لكن في حالة المنتجات المُهيكلة، هناك سلبيات إضافية. أولها أنّ الجهة المُصدرة غالباً ما تفرض رسوماً مرتفعة مقدماً، قد تصل إلى 1,5% و2% سنوياً، وهي نسبة مرتفعة جداً وفقاً للمعايير الحالية.[1]

إضافةً إلى ذلك، وعلى عكس معظم الاستثمارات الأخرى، لا يوجد حتى الآن سوقٌ ثانويٌ سائلٌ للمنتجات المُهيكلة.[2] وهذه مشكلة أساسيّة إذا تغيّرت أهداف العوائد لدى المستثمر وأصبح المنتج غير ملائم له. كما أنّ غياب السوق السائل يؤدي إلى انخفاض الشفافية حول الرسوم العادلة والمنتج بحدّ نفسه.

أخيراً، هناك ما يُعرف بمخاطر الأطراف المقابلة. فعند الاستثمار في صندوقٍ استثماري تقليدي، يبقى رأس المال في حسابٍ منفصل لدى المؤسّسة الوصيّة، ما يحمي من أيّ مشاكل مالية قد تواجه مدير الصندوق. أما عند إصدار منتج مُهيكل، فقد يكون رأس المال، حتى وإن كان "مضموناً" بموجب شروط العقد، عرضةً للخسارة في حال إفلاس البنك.

 

السيناريو الأسوأ

لا يزال احتمال إفلاس البنوك قائماً حتى اليوم. فعلى الرغم من تجنّب أزمة مصرفية شاملة في 2023، إلّا أنّ الاضطرابات المرافقة أدّت إلى انهيار عددٍ من البنوك الكبرى، من بينها بنك Credit Suisse السويسري.

ومع ذلك، يُشير مؤيدو المنتجات المُهيكلة إلى بياناتٍ تُظهر أنّ معظم هذه المنتجات قد حقّقت عوائد إيجابية خلال السنوات الخمس الماضية.[3]

لكنّ الأزمة المالية العالمية في 2008 تقدّم مثالاً واضحاً على المخاطر المحيطة بهذه المنتجات. فقد باع بنك Lehman Brothers السندات المحمية رأس المال والمرتبطة بأصولٍ عقارية، ما دفع المستثمرين إلى الاعتقاد بأنّها استثمارات آمنة بما أنّ رأس المال كان "مضموناً".[4]

لكن بعد انهيار البنك بسبب الأزمة، لم يتمكّن هؤلاء المستثمرون سوى من استعادة جزءٍ من أموالهم، بعدما وجدوا أنفسهم، خلافاً لحاملي السندات، في آخر القائمة. وقد استعاد البعض بين 40 و50 سنتاً لكلّ دولار مستثمر، وذلك بعد إجراءات قانونية طويلة امتدّت على أكثر من عقدٍ من الزمن.[5]

 

الخاتمة

لا يمكن القول إنّ جميع المنتجات المُهيكلة غير مناسبة لجميع المستثمرين. لكنّ هذه الصناعة ككلّ تعاني من نقصٍ في الشفافية، وهو ما يصبّ عادةً في مصلحة الجهة البائعة. فغالباً ما تكون المنتجات المُهيكلة مجرد وسيلةٍ للاقتراض بتكلفةٍ أقل وتحويل المخاطر إلى المستثمر بشروطٍ لا يمكنه إدراكها بالكامل.

بالنسبة لمن يرغب في الاستثمار بالمخاطر الائتمانية للبنوك، تُعدّ السندات المصرفية بديلاً أكثر شفافية وسيولةً وقابلية للتنبؤ. فالسندات توفّر عائداً ثابتاً وحمايةً قانونيةً في حال تخلّف الجهة المُصدرة عن السداد، بينما تتمتّع المنتجات المُهيكلة بتعقيدات غير ضروريّة ومخاطر مخفية.

أما في The Family Office، فنحن نؤمن بأن الحلّ ليس في محاولة التحايل على المخاطر، بل في التركيز على الأساسيات: القطاعات والشركات والفرق الإدارية الواعدة. قد يكون هذا النهج أصعب من الهندسة المالية، لكنه أكثر شفافية، وهو في نهاية المطاف طريق لتحقيق عوائد أكثر استقراراً وموثوقية.



[1] Morningstar

[2] Securities and Exchange Commission

[3] Lowes Financial Management

[4] Deng, Geng & Li, Guohua & Mccann, Craig. (2009). Structured Products in the Aftermath of Lehman Brothers

[5] New York Federal Reserve

تبحثون عن فرص في الأسواق الخاصّة؟

انضموا إلى منصتنا الرقمية للاستثمار
لفرصٍ حصريّة في الأسواق الخاصّة

أنشئوا حساباً

لمحة عن شركة The Family Office

لا تزال The Family Office منذ 2004 مدير الثروات المفضل لأكثر من 500 فرد وعائلة من ذوي الملاءة الماليّة العالية عبر مساعدتهم في الحفاظ على ثرواتهم وتنميتها بحلول مخصّصة في الاستثمارات البديلة المنوّعة وأكثر.حدّدوا موعداً لمكالمة مع خبرائنا الماليّين واكتشفوا المزيد عن عمليّة إدارتنا للثروات.


استمرّوا في القراءة