السياق الخليجي: الإصلاح يلتقي مع التقاليد
في دول الخليج، تعيد الإصلاحات الاقتصادية والتحوّلات الثقافية تحديد دور المرأة في المجتمع وقطاع الأعمال:
رؤية السعودية 2030 تستهدف رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتعزيز حضورها في المناصب القيادية عبر مختلف القطاعات.[2]
الإمارات فرضت تمثيلاً نسائياً في مجالس إدارات الشركات، وأصبحت مركزاً لريادة الأعمال النسائية.[3]
وفي الكويت وقطر والبحرين وعُمان، تتوسّع البرامج الداعمة لتعليم المرأة ومبادراتها الريادية بشكلٍ متواصل.
ورغم هذا التقدّم، لا تزال التحديات قائمة. فمع أنّ مشاركة المرأة في سوق العمل ترتفع، إلّا أنّ حضورها في خطط تعاقب الورثة، واتخاذ القرارات داخل مجالس الإدارة، واللجان الاستثمارية يبقى محدوداً. ويشير تقرير UBS إلى أنّ العديد من بنات العائلات الثرية يتمتّعن بمستويات عالية من التعليم، لكنّ خبراتهنّ في الحوكمة واتخاذ القرارات المالية لا تزال محدودة. والنتيجة هي فجوة واضحة: نساء على وشك أن يرثن أصولاً ضخمة قد لا يشعرن بأنهنّ مستعدات تماماً لإدارتها.
الملكيّة مقابل الجاهزيّة
امتلاك الثروة لا يعني بالضرورة الاستعداد لإدارتها. وهذا التمييز بالغ الأهميّة بالنسبة للعائلات في دول الخليج.
يشير استبيان UBS إلى وجود فجوة على صعيد الجاهزيّة. فقد أفادت نحو 27% من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنهنّ لا يملكن أي خبرة استثمارية، وأقل من نصفهنّ قيّمن معرفتهنّ بالاستثمار على أنّها متوسطة أو عالية. ومع ذلك، تبدو الرغبة في التعلّم واضحة: 62% أعربن عن اهتمامهنّ بأن يصبحن أكثر نشاطاً كمستثمرات، مع تركيز خاص على الاستراتيجيات المستدامة (55%) والأسواق الخاصّة (39%).
هذه الرغبة في التعلّم مشجّعة. لكن من دون أطر موجّهة، قد ترث الكثير من النساء محافظ معقّدة من دون خبرة كافية في الحوكمة لإدارتها بفعاليّة.
والتحدي هنا لا يتعلّق بالكفاءة الفردية بقدر ما يرتبط بقلّة الفرص المتاحة للانخراط في الحوكمة وعمليات صنع القرار. فعندما لا تُشرك البنات بشكلٍ متواصل في اجتماعات مجالس الإدارة أو في شؤون مكاتب العائلة، تقلّ خبرتهنّ بالأدوات والشبكات التي تدعم الإدارة الفعّالة للثروات.
لماذا تُعَدّ الجاهزيّة مهمّة للعائلات؟
عندما ترث النساء من دون إعداد مسبق، قد تمتدّ التداعيات إلى ما هو أبعد من النتائج الفردية:
مخاطر الحفاظ على الثروة: تتطلّب الأصول المعقّدة إشرافاً مبني على المعرفة. ومن دون تعرّض كافٍ لأطر الحوكمة أو الاستثمار، قد تُترك القرارات للمستشارين الخارجيين أو تُدار بأساليب مجزّأة تُضعف قيمة الثروة مع مرور الوقت.
تحدّيات التماسك العائلي: قد تولّد خطط التعاقب التي تستبعد النساء توتّرات داخل العائلة. في المقابل، يعزّز التخطيط الشامل الوحدة والاستمرارية عبر الأجيال.
فرص نمو ضائعة: على مستوى العالم، تتفوّق فرق القيادة المتنوّعة على تلك التي تفتقر إلى التوازن بين الجنسين.[4] وينطبق الأمر ذاته على العائلات: إذ إنّ إشراك النساء في حوكمة الثروات يوسّع الآفاق، ويحسّن عمليّة اتخاذ القرار، ويُثري مجالات الاستثمار المؤثّر والعمل الخيري.
بناء الجاهزيّة الماليّة: نهج يستند إلى ثلاثة ركائز
إنّ إعداد النساء في الخليج لإدارة الثروات يتجاوز حدود اكتساب المهارات التقنية، فهو يتطلّب إطاراً شاملاً يجمع بين المعرفة والحوكمة والقيم.
الفهم التقني: يشمل تعزيز المعرفة بمختلف فئات الأصول وفهم آليات بناء المحافظ الاستثمارية. ويُظهر تقرير UBS أنّ النساء في المنطقة يبدين اهتماماً خاصاً بالاستثمارات المستدامة والأسواق الخاصّة. غير أنّ تحويل هذا الاهتمام إلى استراتيجيات طويلة الأمد يستلزم تعليماً منظّماً وإتاحة الوصول إلى مستشارين موثوقين.
الحوكمة وصنع القرار: إلى جانب المعرفة الاستثمارية، تتطلّب الإدارة الفعّالة للثروات مهارات في الحوكمة، كفهم الدساتير العائلية، والمشاركة في مجالس الإدارة، وإدارة عمليات تعاقب الورثة. وفي العديد من الشركات العائلية في الخليج، تشهد هذه الهيكليات قدراً متزايداً من التنظيم. إنّ إشراك البنات في المجالس واللجان يُسهم في ضمان الاستمرارية وتعزيز متانة الكيانات العائلية.
القيم ومواءمة الإرث: تعبّر العديد من النساء في الخليج عن اهتمام قوي بمواءمة استثماراتهنّ مع قيمهنّ الشخصية، سواء عبر العمل الخيري أو الاستثمار المؤثّر أو التخطيط للإرث. ويمكن للاستشارات الاستراتيجية أن تساعد في إرساء هذه المواءمة، بما يضمن أن تدعم الثروات الموروثة الاستدامة المالية ورسالة العائلة في آنٍ واحد.
مؤشّرات التغيير في الخليج
من المشجّع أنّ التحوّلات بدأت تتجلّى بالفعل:
في السعودية، تُظهر الدراسات تزايد مشاركة المرأة في الشركات العائلية، سواء في الأدوار التشغيلية أو في الحوكمة، بدعمٍ من مبادرات التمكين والإصلاحات.[5]
في القطاع العام الإماراتي، تشغل النساء نحو 30% من المناصب القيادية، وتشير الاستطلاعات إلى أنّ 61% من الموظفين يعتقدون أنّ زيادة تمثيل النساء في المناصب العليا ستنعكس إيجاباً على مؤسساتهم.[6]
في مختلف دول الخليج، تُطلق النساء المزيد من المشاريع في قطاعات كانت مشاركتهنّ فيها محدودة سابقاً. وتساهم شبكات الدعم وبرامج الإرشاد والمبادرات الريادية في تمكين هذا التحوّل.[7]
ومع ذلك، تؤكّد أبحاث UBS أنّ كثيراً من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يلجأن بدايةً إلى الموارد الرقمية أو أفراد العائلة لاكتساب المعرفة الاستثمارية، قبل التوجّه إلى المستشارين المتخصّصين. وهذا الاعتماد يبرز الحاجة إلى قنوات منظّمة وموثوقة للتثقيف المالي تراعي خصوصيّة العائلات الخليجية.
دور المستشارين الاستراتيجيين
تدرك العائلات في دول الخليج بشكلٍ متزايد أهمية إعداد البنات ليس فقط كوريثات، بل كقيّمات على الثروات للمدى الطويل. وهنا يبرز الدور المحوري للمستشارين الاستراتيجيين.
يساعد المستشارون الموثوقون العائلات في تبسيط فهم الأسواق الخاصة، وتعزيز إشراك النساء في هيكليّات الحوكمة، وموافقة القيم مع الأهداف الماليّة. كما يوضحون المخاطر وفرص التنويع، ويقدّمون التوجيه للمجالس حول دمج البنات في الأدوار القياديّة، ويصمّمون استراتيجيات تلتقي فيها الأهداف المتعلّقة بالعمل الخيري والإرث والثروة.
في The Family Office، نقدّم منذ أكثر من عقدين المشورة للعائلات في دول الخليج حول كيفية الاستعداد لانتقال الثروة بين الأجيال. ويتجاوز نهجنا إدارة الاستثمارات ليشمل التخطيط لتعاقب الورثة وإرساء أطر الحوكمة. ومن خلال دمج الفرص في الأسواق الخاصة ضمن استراتيجيات ماليّة طويلة الأمد، نساعد العائلات على ضمان أن تخدم الثروة ليس فقط أهدافها الماليّة، بل أيضاً قيمها وتطلّعاتها.