رؤية أوسع للاستثمار
تهتمّ المزيد من النساء بإدارة ثرواتهنّ وتحديد معالم مستقبلهنّ المالي. ووفقاً لتقرير UBS بعنوان "النساء والاستثمار: إعادة تصوّر المشورة المالية"، الذي استطلع آراء نساء في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفهم أسلوبهنّ في التعامل مع الاستثمار والمشورة والتخطيط طويل الأمد، أعربت 62% من المشاركات عن رغبتهنّ في تعلّم المزيد حول الاستثمار. كما أنّ ما يقارب أربع من كلّ عشر نساء بدأن بالفعل في اكتشاف الأسواق الخاصّة، وهو مؤشر مشجّع على تنامي الاهتمام بفئات الأصول التي تتجاوز الأدوات التقليدية.[2]
ويُبيّن هذا التحوّل أنّ النساء أصبحن أكثر وعياً وانتقائية في قراراتهنّ الاستثمارية؛ فبدلاً من الاكتفاء بالمسارات التقليدية، يزداد توجههنّ نحو استراتيجيات تُوازن بين النمو طويل الأمد والمرونة. ومع ذلك، ما زالت كثيرات منهنّ تفتقرن إلى الوصول للمشورة المُهيكلة والمخصّصة القادرة على تحويل الاهتمام إلى خطواتٍ عمليّة، خصوصاً فيما يتعلّق بفئات أصول كالأسهم الخاصّة والائتمان الخاص والعقارات والبنية التحتية، التي تتطلّب معرفة أعمق وإمكانية وصول متخصّصة.
سدّ الفجوة بين الاهتمام والتنفيذ
مع سعي المزيد من النساء لتحديد معالم مستقبلهنّ المالي، يتّضح أمر واحد: الاهتمام موجود، لكنّ المسار ليس دائماً واضح. فبينما ترغب 62% من نساء المنطقة في تعلّم كيفية الاستثمار، تقلّ نسبة اللواتي يقيّمن معرفتهنّ الاستثمارية على أنّها متوسطة أو عالية عن النصف. ولا تزال كثيرات تتوجّهن في البداية إلى المصادر غير المتخصّصة، كالعائلة أو الأصدقاء أو المحتوى المتاح عبر الإنترنت، قبل التواصل مع المستشارين الماليين المحترفين. كما يشير ما يقارب نصفهنّ إلى أنّ محدودية الوصول إلى التثقيف المالي تشكّل عائقاً أساسيّاً.[3]
وتكشف هذه الفجوة عن منظومة لم تتكيّف بعد لتلبية الاحتياجات المتنامية للمستثمرات. تشكّل الأعراف الاجتماعية وغياب الأدوات المصمّمة خصيصاً لهنّ وضعف الاطلاع على أسس التخطيط المالي الاستراتيجي، بعضاً من العوامل التي تحدّ من تعميق المشاركة، من دون أن يكون السبب غياب الإمكانات أو الطموح.
واللافت أنّ هذا الواقع بدأ يتغيّر؛ إذ باتت الشركات العائلية تُشرك تدريجياً البنات وسائر القريبات في شؤون الحوكمة والتوريث. وفي أسواق مثل السعودية، لا تفتح رؤية 2030 آفاقاً اقتصادية جديدة فحسب، بل تُرسّخ أيضاً مشاركة المرأة في القرارات الاستثمارية، سواء كوريثة للثروة أو كمالكة مستقلّة لها.
أبرز العوائق التي تواجه المستثمرات
رغم تزايد الاهتمام بموضوع الاستثمار وارتفاع نسب ملكية النساء للثروة، ما زالت كثيرات تواجهنَ تحدياتٍ تحدّ من مشاركتهنّ الكاملة في اتخاذ القرارات الاستثمارية. ووفقاً لتقرير UBS، تشمل أبرز هذه العوائق:
محدودية التثقيف المالي: أشار ما يقارب نصف النساء المشاركات في الاستطلاع إلى أنّ نقص التثقيف الاستثماري يشكّل عائقاً رئيسياً، خصوصاً فيما يتعلّق بكيفية تقييم وإدارة فئات الأصول الأكثر تعقيداً كالأسواق الخاصّة.
الاعتماد على المصادر غير المتخصّصة: لا تزال كثيرات يلجأنَ إلى نصائح الأصدقاء أو العائلة أو المحتوى المتاح عبر الإنترنت قبل التوجّه إلى المستشارين الماليين المحترفين، وغالباً ما يكون ذلك نتيجة فجوات في الثقة أو محدودية الوصول.
ضعف الثقة بالمعرفة الاستثمارية: أقل من 50% قيّمن معرفتهنّ الاستثمارية على أنها متوسطة أو عالية، ما يعكس فجوة في الثقة حتى بين النساء الناشطات مالياً.
الأعراف الاجتماعية والثقافية: في بعض البيئات، لا يزال يُنظر إلى القرارات المالية على أنّها مجال يهيمن عليه الرجال، ما يصعّب على النساء بدء محادثات حول الاستثمار أو طلب المشورة المتخصّصة.
محدودية الوصول إلى الفرص المناسبة: يزداد الاهتمام بفئات أصول كالأسهم الخاصّة والشركات التي تقودها نساء، لكن كثيرات يُشِرْن إلى محدودية الوصول إلى هذه القنوات.
غياب المشورة المخصّصة والموثوقة: العديد من المنصات الاستثمارية ليست مصمّمة بما يتماشى مع أهداف النساء أو تفضيلاتهنّ أو أسلوب تواصلهنّ، ما يؤدي إلى ضعف التفاعل حتى بين النساء القادرات والطموحات.
إعادة تعريف ما تبحث عنه النساء في شركاء إدارة الثروة
مع تزايد تأثير النساء المالي، يُعِدن أيضاً النظر في توقعاتهنّ لما يجب أن يكون عليه المستشار المالي. فالأمر لا يتعلّق بمنتجات جذابة أو حملات دعائية سطحية، بل بشراكات حقيقية تقوم على الثقة والشفافية والتوافق طويل الأمد.
كثير من النساء يرغبنَ بما هو أكثر من مجرد أداء المحفظة الاستثمارية. يُردن فهم كيف ترتبط استثماراتهنّ بقيمهنّ، وتدعم أهدافهنّ، وتخدم أهدافاً أسمى. ووفقاً لتقرير UBS، فإنّ ما يقارب 70% من النساء ستستثمرنَ في شركاتٍ تقودها نساء إذا أُتيح لهنّ الوصول إليها، وهو مؤشر واضح على أنّ للهدف والمعنى وزناً كبيراً في قراراتهنّ الاستثمارية.
وغالباً ما يكون ما ينقصهنّ ليس الرغبة، بل القنوات والأدوات والمحادثات المناسبة. فالمستشارون القادرون على مواكبة النساء انطلاقاً من واقعهنّ الحالي، والبناء على معارفهنّ، وتقديم المشورة التي تتوافق فعلاً مع أهدافهنّ، أمامهم فرصة لبناء علاقات أعمق وأكثر استدامة.
تحويل الزخم إلى تقدّم فعلي
في The Family Office، شهدنا هذا التحوّل عن قرب. فمنذ أكثر من عقدين، عملنا مع عملاء في مختلف أنحاء المنطقة، بمن فيهم نساء يُدِرن ثرواتٍ عائلية أو يُخطّطنَ لمستقبل أبنائهنّ أو يبنين إرثاً طويل الأمد من خلال ريادة الأعمال. ويتجاوز دورنا مجرد إدارة رأس المال، ليشمل مساعدة العملاء على اكتساب وضوح الرؤية والثقة والتحكم في المسار المالي، بغض النظر عن الخلفية أو نقطة الانطلاق.
ندرك أنّ كثيراً من النساء لا يبحثنَ عن العوائد المالية فحسب، بل عن علاقات موثوقة واستراتيجيات هادفة وأدوات تُمكّنهنّ من التحكّم برحلتهنّ المالية. ولمن يواجهنَ محدودية الوصول إلى المشورة، أو عدم الإلمام بالأسواق الخاصّة، أو ضعف الثقة في التخطيط المالي، طوّرنا نهجاً يلبي هذه الاحتياجات تحديداً.
وقادنا هذا الالتزام إلى تطوير حلولنا الرقمية، المصمّمة لمنح المستثمرين الأدوات اللازمة لتحديد أهدافهم المالية وتتبع تقدّمهم والوصول إلى فرص الاستثمار في الأسواق الخاصّة التي كانت حكراً على المؤسّسات. وهو ما يعكس عصراً جديداً في إدارة الثروات، يستجيب لاحتياجات المستثمرين المتغيّرة ويساعد على تحويل الطموح إلى خطواتٍ عمليّة.
ومع دخول المنطقة مرحلة تاريخية من انتقال الثروات بين الأجيال، ستتسارع مكانة النساء كمالكات وصانعات للقرار المالي. والفرصة اليوم لا تكمن فقط في الحفاظ على الثروة، بل في تنميتها بشكلٍ هادف، وهو ما يتطلّب إرشاداً مدروساً والوصول إلى الفرص المناسبة وعلاقات تقوم على التوافق لا الافتراضات.
لطالما كان للنساء دور في صياغة المشهد المالي، أحياناً بهدوء وغالباً من خلف الكواليس. واليوم، يتقدّمن إلى الواجهة، ليس كظاهرة عابرة، بل كقوة دائمة في مستقبل عالم الثروات.