من بين الدول المتقدّمة، واجهت المملكة المتّحدة ضغوطات اقتصاديّة خانقة بسبب ارتفاع التضخّم وانخفاض نموّ الأجور وازدياد تكاليف الاستيراد، ما أدّى إلى أزمة طويلة الأمد على صعيد تكاليف المعيشة.
يبحث هذا المقال العوامل الأساسية خلف أزمة تكاليف المعيشة في المملكة المتّحدة وتأثيرها على المستهلكين والدروس التي يتعلمها المستثمرون من هذه القصة.
ما هي أزمة تكاليف المعيشة؟
يزيد ارتفاع التضخّم وبطء نموّ الدخل المتاح تكلفة أساسيّات الحياة اليوميّة للمستهلك العادي، كالغذاء والملابس والسكن والوقود/ الطاقة.
اعتبارًا من يناير 2023، بلغت نسبة التضخّم السنوي في المملكة المتّحدة 10,1%، وهي أعلى من معدّل منطقة اليورو (8,5%) وأعلى بكثير من الولايات المتّحدة (6,1%).[1] في غضون ذلك، تُبيّن أحدث أرقام النموّ السنوي للأجور في الملكة المتّحدة (باستثناء المكافئات) زيادة بنسبة 6,7% فقط.[2]
تتصاعد الضغوطات التضخّمية منذ بداية 2021، ووصلت إلى ذروتها في أكتوبر من العام السابق (11,1%) بأعلى مستوياتها خلال 41 عام.[3] رغم تراجع التضخّم عقب زيادة بنك إنجلترا (BoE) لأسعار الفائدة، يبقى أعلى من النسبة المستهدفة بخمس مرّات.
أوضح بنك إنجلترا أنّ التضخّم سيبقى مرتفعًا لسنتين إضافيّتين،[4] وأنّ نموّ مستويات الأجور سيتأخر لفترة 12 أشهر المقبلة.[5] ببساطة، يبدو أنّ الأزمة ستستمر في المستقبل القريب.
ما هي العوامل التي أدّت إلى ظهور هذه الأزمة؟
في حين تعرضت المملكة المتّحدة لنفس الصدمات والانقطاعات كمعظم البلدان الغربيّة، جعلتها بعض العوامل أكثر عرضة من البلدان الأوروربيّة المجاورة. يعتمد الاقتصاد الشامل كثيراً على السلع المستوردة، ما يجعل المملكة المتّحدة ضعيفة أمام اختلال التجارة العالميّة أو ارتفاع تكاليف الشحن العالميّة.[6]
أثّر ارتفاع أسعار الغاز بعد انخفاض مبيع الغاز الروسي إلى أوروبا على المملكة المتّحدة بشكلٍ خاصّ في 2022، بما أنّ حوالي 80% من الأسر في إنجلترا يستخدمون الغاز للتدفئة وتولّد محطّات الطاقة التي تعمل على الغاز ثلث الكهرباء.[7]
أيضاً، تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار وغيره من العملات الرئيسيّة في العقد الماضي، ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع المُحتسبة بالدولار كالنفط والغاز. خلال العام الماضي، ارتفعت أسعار الغاز المحلي وتكلفة الكهرباء المحلية بنسبة 129% و67% تباعاً، ما زاد التكاليف اليوميّة على المواطن.
كيف يتعامل الناس مع هذه الأزمة؟
استجابت حكومة المملكة المتّحدة للأزمة بمجموعة من التدابير، منها الدفع المباشر للأسر بشروط ووضع سقف لأسعار الطاقة. وركّز الدعم على الفئات الأكثر ضعفاً (ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنّين)، لكنّه لم يكن بالإمكان الذهاب أبعد من ذلك لمواجهة الأزمة الشاملة.
شاركت البنوك وخبراء ماليّون آخرون حالياً استراتيجيّات مبتكرة للتوفير كاستخدام الأزياء المدرسية المستعملة وتصغير سلال السوبرماركت وتطوير الوظائف الجانبيّة وتشجيع السياحة الداخلية.[8]
ولكن الكثير من ذوي الدخل المحدود أُرغموا على تغيير نمط حياتهم بشكل ملحوظ، كخفض الإنفاق على السلع غير الأساسية (وحتى الأساسية أحيانًا) وخفض استهلاك الطاقة والحرص على مقارنة الأسعار لإيجاد أفضل الصفقات. كما لم تعد العطل والسهرات والمشتريات الضخمة والسفر بمتناول الكثيرين كما كانت سابقًا.[9]
ما العبرة التي يمكن للمستثمرين تعلّمها؟
يقول المثل: "أفضل وقت لإصلاح السقف هو عندما تكون الشمس مشرقة".
تُظهر تجربة المملكة المتّحدة أنّه عند وقوع أزمة، قد لا يكفي التوفير للحفاظ على نمط الحياة حتى لو كان متواضعًا، إذ يُرغم البعض على إنفاق مدخراتهم الشخصيّة أو الاقتراض لمصاريفهم اليوميّة.[10] وحتى لو انحسرت الأزمة، سيؤثر ذلك سلباً على مستقبلهم المالي على المدى الطويل.
يستنفذ التضخّم قدرة المدخّرات ويُضعف قوة الدخل. الادخار للاستثمار في محفظة منوعة تُدار باحتراف لا يتغلّب على التضخّم فحسب، بل يغطي أيضاً التكاليف في الأيّام الصعبة التي لا مفرّ منها كما برهن التاريخ.
[2] Office of National Statistics
[5]Office of National Statistics
[7]Office of National Statistics