في الاجتماع الأخير في يوليو للّجنة الفدرالية للسوق المفتوحة، رُفعت أسعار الفائدة من جديد لتُصبح بين 5,25% و5,5%، بعد توقّف مؤقّت عقب الجلسة السابقة في يونيو.
تدرك الأسواق أنّ الاقتصاد الأمريكي يقترب من نهاية عمليّة مطوّلة من التشديد النقدي، وتتّجه الأفكار تلقائيّاً إلى الموعد النهائي لهذا التشديد ومتى سيقرّر الفدرالي البدء بخفض أسعار الفائدة إلى مستويات أقلّ تقييداً.
في هذا المقال، سنستعرض أحدث التعليقات والأحداث وسنستخلص استنتاجات للمستثمرين الأفراد.
جاكسون هول
ضمّ الاجتماع السنويّ للاقتصاديّين ورؤساء البنوك المركزيّة في جاكسون هول في وايومنغ خطاباً لرئيس الفدرالي جيروم باول دقق فيه المحلّلون والمعلّقون محاولين استخلاص أدلّةٍ حول الخطوات القادمة المخطط لها.[1]
احتوى الخطاب على بعض الغموض الحذِر المألوف لمتابعي التصاريح السابقة لباول الذي قال: "إنّنا نبحر مسترشدين بالنجوم تحت سماءٍ غائمة... وسنستمرّ بذلك حتى إنجاز المهمّة." مع ذلك، كرّر باول النقطة الرئيسيّة أنّه رغم التقدّم المُحرَز، لا يزال التضخّم (الذي بلغ في وقت إلقاء الكلمة 4,3% وهو ضعف النسبة المستهدفة) مرتفعاً جدّاً.
وأكمل بتفصيل المكوّنات الرئيسيّة لمؤشر النفقات الأساسية للاستهلاك الشخصي، المقياس المفضّل للتضخّم لدى الفدرالي. توصّل التحليل إلى أنّ التحسينات في سلاسل الإمداد العالميّة قد ساهمت كثيراً في تخفيف الضغوط التضخميّة. مع ذلك، لا نزال نحتاج إلى المزيد من التدابير لمعالجة المكوّنات التي لا تعتمد بشكل مباشر على الأحداث الدوليّة باستثناء السكن كخدمات الطبابة والمواصلات .
باختصار، رفض باول مجدّداً "إعلان النصر" وأوحى بأنّ الفدرالي يعتزم التمسّك بموقفه الحالي حتّى ظهور دلائل قاطعة تثبت العكس، ما يبقي المجال مفتوحاً لزيادة واحدة على الأقلّ على سعر الفائدة. وتُبيّن محاضر الاجتماعات السابقة أنّ بعض الأعضاء يؤيدون زيادة أخرى هذا العام.[2]
ربما التشبيه الأقرب إلى الحقيقة من الإبحار تحت سماء غائمة هو ما ورد في ملاحظات باول في يونيو حيث قارن المسار الحالي لأسعار الفائدة بسيارة تتباطأ تدريجياً مع اقترابها من وجهتها النهائية.[3] ورغم عدم الوصول إلى الوجهة بعد، إلّا أنّنا نراها في الأفق.
أحدث البيانات
تدعم بيانات الاقتصاد الكلّي الموقف الحذر لرئيس الفدرالي، فقد بقي الناتج المحلّي الإجمالي قويّاً هذا العام متجاوزاً التوقعات.[4]
من ناحية التضخم بحدّ ذاته، أظهرت أحدث أرقام مؤشر النفقات الأساسية للاستهلاك الشخصي زيادةً طفيفةً ليوليو (من 4,1% إلى 4,2%)، بعد تراجعه لبضعة أشهر بفضل الإنفاق القويّ للمستهلكين في الصيف.[5] كما سجلت أحدث بيانات مؤشر أسعار المستهلكين تضخمأعلى من التوقعات بقليل (3,7% مقابل 3,6%)، بسبب تكاليف الطاقة والسكن.[6]
في غضون ذلك، أظهرت أحدث بيانات الوظائف صورة دقيقة: يستمرّ أصحاب العمل بالتوظيف لكن بمعدّل متباطئ، في حين ترتفع البطالة مجدّداً. أمّا نموّ الأجور فيتباطأ، لكنّه يرتفع من ناحية القيمة الحقيقيّة، مع تراجع التضخّم.[7]
يمكن تفسير أرقام الوظائف هذه على أنّها مؤشرات على إعادة توازن سوق العمل – وهو تطوّر إيجابيّ. في الوقت نفسه، يُمكن الإشارة إلى أنّ السوق لا يزال غير متوازن نوعاً ما، ما يعني أنّه قد يُعاد إحياء التضخّم في حال بدء دورة ارتفاع الأجورالتي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
أمّا بالنسبة إلى الأسواق، فتعكس أداة CME FedWatch Tool الأغلبيّة الساحقة من الآراء (97%) التي تشير إلى عدم تغيّر أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، رغم توقُّع حوالي 40% من الآراء زيادة أسعار الفائدة قبل نهاية العام.[8]
بشكلٍ عام، تبدو المشاعر التي أُعرب عنها في الخطاب في جاكسون هول مناسبة: من المبكر جدّاً أن نحتفل.
استنتاجات للمستثمرين
تفيد مقولة شهيرة بأنّه إذا اجتمع كافة الاقتصاديّين في العالم، فلن يتوصّلوا إلى نتيجة. وفي حين أنّه من الممكن استمرار النقاش بين الاقتصاديّين إلى ما لا نهاية، ماذا يعني ذلك للمستثمرين؟
نوصي دائماً بأن ينظر المستثمرون إلى أبعد من الأجل القصير الذي لا يمكن التنبوء به ("الضجيج") ويركّزوا على التداعيات الأوسع نطاقاً للأحداث ("الإشارة").
قدّمت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي خلال منتدى جاكسون هول، ، تحليلاً مدروساً للتغييرات الأساسيّة التي تحصل عالميّاً على صعيد المجتمع والاقتصاد.7 تطرّقت الرسالة الرئيسيّة للخطاب إلى الاتّجاه المتنامي للتفكير الاقتصادي –علينا تحديث ما نعتبره "طبيعي".
التغيّر المناخي والتجزئة الجيوسياسيّة والمستويات التاريخيّة للدين الحكومي والتغيّرات الكبيرة في التكنولوجيا تشكّل جميعها خلفيّة لم يعد يصح معها تطبيق القواعد الاقتصادية السابقة. لذلك، فإن مفتاح النجاح هو العقل المنفتح والاستعداد للتحدّي ومواجهة التحدّيات على حدّ سواء.
في بيئةٍ مماثلة، من الأفضل عدم المواجهة بمفردكم.