القرار الأخير
في صيغةٍ أصبحت مألوفة، أعرب رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول خلال لقائه الصحفي في 31 يناير أنّه على الرغم من "تفاؤله" تجاه التقدم المُحرز، إلّا أنّه لا يزال من المبكر جداً إعلان النصر.
سبق أن أعلن الفدرالي عن احتمال خفض أسعار الفائدة ثلاث مرّات في 2024.[1] ومع ذلك، أحبط باول آمال الأسواق في خفض أسعار الفائدة بدءً من مارس في مقابلة أجراها مع برنامج 60 Minutes في الخامس من فبراير.[2]
أشار محضر اجتماع الفدرالي في يناير إلى أنّ غالبية أعضاء اللجنة لا يزالون متخوّفين من خفض أسعار الفائدة قبل أوانها، أي قبل السيطرة فعليّاً على التضخم. وكان استمرار الطلب الاقتصادي القوي بالإضافة إلى الاضطرابات العالميّة (كالشحن في البحر الأحمر) من الأسباب الرئيسيّة التي ذكروها.[3]
الطلب والتضخم
أتت أرقام سوق العمل التي صدرت في الثاني من فبراير قويّة بشكلٍ مفاجئ، حيث كانت قريبة من ضعف التوقعات (353 ألف مقابل 185 ألف)، ما عزّز الرأي بأنّ الضغط التصاعدي على الأسعار لا يزال يُشكّل تهديداً.[4] وتخطى أيضاً كلّ من مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) ومؤشر أسعار المنتجين (PPI) التوقعات لشهر يناير مع 3,1% (مقابل 2,9%)[5] و0,9% (مقابل 0,7%)[6].
ومع ذلك، بيّنت أحدث أرقام التوظيف من 8 مارس إلى أنّ أرقام التوظيف في يناير كانت أقل مما أُبلغ عنه في البداية (229 ألف). بالإضافة إلى ذلك، ارتفع معدل التوظيف إلى 3,9%، ما يشير إلى تباطؤ سوق العمل.
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) هو المقياس المفضل لدى الفدرالي للتقدّم المُحرز على صعيد التضخم، وبلغ المؤشر ذروته عند 7% في يونيو 2022. وسجلت أرقام يناير 2,4% أو 2,8% كنسبة أساسيّة، وأتى كلاهما بمستوى التوقعات لكن دون أرقام ديسمبر. وإذا نظرنا إلى الأشهر الستّة الأخيرة بشكلٍ منفصل، فإنّ المؤشر الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي وصل بالفعل إلى نسبة 2% المستهدفة.[7]
يبدو المشهد العامّ بالتالي إيجابيّاً. وإذا استكمل كلّ من النموّ والتضخم مسارهما الحالي، فإنّ الولايات المتحدة ستحقق "الهبوط السلس" الذي اعتبره الكثيرون مستحيلاً.
إفادة باول
في السادس والسابع من مارس، أدلى باول بإفادة أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، حيث بدا في البداية كأنّه يكرّر تصريحاته السابقة حول الحاجة إلى المزيد من البيانات للتأكد من أنّ التضخم تحت السيطرة بصورة مستدامة.
إنّما أوضح أيضاً بأنّه يعتقد أنّ أسعار الفائدة "في نطاقٍ تقييدي" ما يعني أنّها ليست حاليّاً عند مستوى "محايد" أو طبيعي، وأنّ البنك المركزي غير بعيدٍ عن التمكّن من خفض أسعار الفائدة من جديد.[8]
تتوقّع الأسواق أن تبقى أسعار الفائدة ثابتةً في الاجتماع المقبل في مارس، كما تتوقّع الغالبية خفض أسعار الفائدة للمرّة الأولى في يونيو، وفقاً لأداة CME FedWatch Tool[9].
الخلاصة
مثلما أوضح رئيس الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا باتريك هاركر، فبينما تشير البيانات إلى كوننا في المرحلة الأخيرة من السباق، "غالباً ما تكون المرحلة الأخيرة هي الأصعب بحسب قول أيّ شخصٍ شارك في سباق ماراثون".
أتت استجابة الفدرالي، رغم عدم القدرة أبداً على توقعها، متماشيةً مع إلتزامه بالحذر وعدم رغبته في التأثر بضغط الأسواق أو فرط التفاؤل بناءً على البيانات الناشئة.
يُجسّد ذلك موقف المستثمر الجيّد: منح الأولوية دائماً إلى الهدف طويل الأمد.
[1] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
[3] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي