ما الذي حصل في ديسمبر
في 13 ديسمبر 2023، وبالإضافة إلى إعلان الفدرالي عن قرار الإبقاء على السياسة التقييديّة لأسعار الفائدة وإكمال برنامجه للتشديد الكمّي، نشر مجموعةً مُعدّلةً من التوقّعات الاقتصاديّة التي تتضمّن الناتج المحلّي الإجمالي والبطالة والتضخّم وأسعار الفائدة على الأموال الفدراليّة.[1]
افترضت التوقعات السابقة التي صدرت في سبتمبر زيادةً إضافيّةً في أسعار الفائدة بحلول نهاية 2023 (لم ترتفع الأسعار في نهاية المطاف) وخفضها مرّتين فقط في 2024، ما يؤشر إلى نسبة مُستهدفة عند 5,1%.[2] بناءً على أحدث الأرقام، يُتوقّع خفض أسعار الفائدة ثلاث مرّات لتصل إلى نسبة مُستهدفة تبلغ 4,6% بحلول نهاية 2024.
تُدقّق الأسواق بلهجة رئيس الفدرالي جيروم باول باستمرار للحصول على مؤشرات حول التطوّرات المستقبليّة. وحتى الآن، شدّد باول على الحاجة إلى الحذر، غير أنّ تصريحه بأنّ مسألة تخفيف القيود المفروضة "تبدأ بالظهور"، وأنّها "أصبحت بوضوح موضوعاً للنقاش"، أدى إلى ارتفاع سوق الأسهم.[3]
في حين أنّ التصريحات اللّاحقة من مسؤولي الفدرالي هدفت إلى تهدئة الحماس، اعتُبر تغيّر اللّهجة مؤشراً حاسماً على "تغيير الاتّجاه"، وبدأت الأسواق بالتالي بالتسعير وفقاً لاحتمال البدء بخفض أسعار الفائدة في مارس، مع توقُّع البعض تخفيضها ستّ مرّات في العام المقبل، وذلك حتى وقت كتابة هذا المقال.[4]
التضخّم
إنّ البيانات الأخيرة لتضخّم مؤشر أسعار المستهلكين التي صدرت في 11 يناير 2024 تجاوزت التوقعات قليلاً مع ارتفاع بنسبة 0,3% عن الشهر السابق وبنسبة 3,4% عن العام السابق، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ارتفاع تكاليف السكن.[5]
يُعدّ ذلك تحسّناً كبيراً عن ديسمبر 2022، عندما سجل تضخّم مؤشر أسعار المستهلكين نسبة 6,4%، وأدنى بكثير من نسبة 9,1% الأعلى منذ 40 عاماً والتي بلغها في وقت سابق من ذاك العام.
مع ذلك، تشير أحدث البيانات إلى أنّ التضخّم ليس بالضرورة في حالة تراجع، وقد يرتفع مجدّداً. اغتنمت كلّ من حاكمة الفدرالي ميشيل بومان ورئيسة الفدرالي في دالاس لوري لوغان الفرصة لتذكير الأسواق بأنّ هذا قد يؤدّي إلى زيادات إضافيّة في أسعار الفائدة.[6] وأكّدت رئيسة الفدرالي لوريتا ميستر بصراحة أنّ خفض الأسعار في مارس سيكون "مبكراً جداً".[7]
في 16 يناير، ألقى حاكم الفدرالي كريستوفر والر خطاباً مطوّلاً في معهد بروكينغز بعنوان "أفضل ما يمكن حصوله تقريباً... لكن هل سيدوم؟"[8]. أقرّ في الخطاب بالتقدّم المُحرز حتى الآن، لكنّه شدّد على الحاجة إلى تقدّم مستدام. وأضاف أنّ خفض أسعار الفائدة لن يكون مناسباً إلّا إذا لم يحدث تراجع في التضخّم أو لم يستمرّ عند مستوياته المرتفعة. بتعبير آخر، لا يزال الوقت مبكراً للاحتفال.
تبيّن هذه الأرقام أنّه بينما لا يزال معدل البطالة دون 4%، يبدو أنّ نموّ الناتج المحلّي الإجمالي يتباطأ، ما يعني أنّ سوق العمل قد يتباطأ ويؤدي إلى ضغط إضافي على الأجور وبالتالي على الأسعار النهائيّة.[9]
من المرجّح أنّ التأثيرات الكاملة لارتفاع أسعار الفائدة، على شراء المنازل والسيارات والإنفاق الائتماني مثلاً، لم تشمل النظام بأكمله بعد. يشير كلّ ذلك إلى استمرار مرحلة الحذر بدلاً من العودة إلى الوضع السابق.
الخلاصة
في حين أنّ المستقبل غامض أكثر من أيّ وقت مضى (وسيكون كذلك على الدوام)، قدّم الشهر الماضي درساً مفيداً في كيف يمكن للمشاعر أن تتغلّب على التفكير المنطقيّ.
يرغب الكثير من المستثمرين بشدّة ولأسباب مختلفة بالعودة إلى مرحلة أسعار الفائدة المنخفضة أو حتى المنخفضة كثيراً، وهم بالتالي يميلون إلى التفسير المفرط للمؤشرات التي تدلّ على أنّنا متّجهون إلى تلك المرحلة.
قد تؤدّي المبالغة في ردّ الفعل بهذه الطريقة إلى ارتفاع تقلّبات السوق في الأشهر المقبلة، بحسب سونال ديساي من شركة Franklin Templeton.[10] من وجهة نظرنا، يشدّد ذلك على حكمة تبنّي إستراتيجيّة استثمار صبورة، حيث لا تأثير للتقلّبات المؤقتة على المدى الطويل.
[1] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
[2] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي