زمن التفاؤل الحذر
بشكلٍ أساسي، يبدو أنّ الاقتصاد العالمي في حال أفضل ممّا كان يجرؤ الكثيرون على تمنّيه منذ بضع سنوات.
تمكّنت الاقتصادات الكبرى من تفادي الركود، وأحرزت المعركة ضدّ التضخّم تقدّماً كبيراً، وتكّيفت الأسواق حتّى الآن مع مختلف الأزمات الجيوسياسيّة. على وجه الخصوص، يشعر المحلّلون بالرضا عن حالة الاقتصاد الأمريكي، ويتوقّع معظمهم حدوث "هبوط سلس" (أي عدم توقّع حصول ركود في العام المقبل).
لكن هناك أيضاً عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر إلى المستقبل.
أولّاً، تؤدّي الصراعات المستمرّة في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى انتشار عدم اليقين بعض الشيء، كما أنّ الاضطراب الكبير في الطرق التجاريّة العالميّة قد يؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع مجدّداً ويعرّض الوضع الاقتصادي المستقرّ، رغم هشاشته، إلى الخطر.
ثانياً، تواجه الصين تحديات مرتبطة بنموّها، مع تراجع طلب المستهلكين وتعرّض سوق الإسكان للضغوطات. ونظراً لكون الصين محرّكاً رئيسيّاً للنموّ الاقتصادي العالمي، فإنّ هذه التطوّرات هناك تخلق درجةً من عدم اليقين، خصوصاً إذا ما ظهرت مجدداً تغييرات في السياسة التجاريّة. في الوقت نفسه، أطلقت الصين مبادرةً كبيرةً للتحفيز الاقتصادي تركّز على تحقيق هدف الحكومة للنموّ عند 5%. ويهدف هذا المجهود إلى تعزيز طلب المستهلكين ونموّ مبيعات التجزئة بشكل مستدام وثابت. بشكل عام، هناك مؤشرات واعدة على استقرار النموّ في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بدعم من إجراءات التحفيز الأخيرة والمؤشرات المشجعة مثل مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الاختلالات الماليّة في الكثير من الاقتصادات المتقدّمة، بما في ذلك الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة واليابان، إلى أنّه لا يمكن التوقّع بأن يعزّز الإنفاق الحكومي النموّ مثلما حصل في السنوات القليلة الماضية.
ماذا يعني هذا للمستثمرين
إنّ احتمال حدوث الكثير من الاضطرابات الكبيرة، بالإضافة إلى غياب الخيارات الماليّة أو النقديّة الواضحة أمام الحكومات لتخفيفها، وضع "التقلّبات" في صدارة اهتمامات الجميع. ببساطة، قد تكون ظروف السوق عرضةً للتغيّرات السريعة وغير المُتوقّعة.
بالتالي، أوصى جميع المحلّلين الذين شملهم الاستطلاع تقريباً بضرورة بناء محفظة استثماريّة قادرة على تحمّل التقلّبات.
يتضمّن ذلك البحث عن استثمارات في القطاعات المُعاكسة للدورات الاقتصاديّة - مثل الزراعة والطاقة والبنية التحتيّة - والتي غالباً ما تتمتّع بإلتزامات حكوميّة كبيرة مُسبقة (خاصّة في سياق المبادرات المُراعية للبيئة).
كما يتضمّن قطاعات مدفوعة بعوامل هيكليّة طويلة الأجل كشيخوخة السكان (مثل إسكان كبار السنّ والخدمات الطبيّة المرتبطة به).
ومع ذلك، هذا لا يعني "الهروب إلى الأمان" على مستوى شامل أو، وفقاً للمصطلحات المُستخدمة في سياق المحفظة الاستثماريّة، اعتماد إستراتيجيّة "دفاعيّة" بالكامل، بل يعني إعطاء الأولويّة للمرونة والقدرة على التكيّف، مع الحفاظ على نهج مُتوازن.
المرونة تعني أنّ بإمكان المستثمرين الاستفادة من فرص النموّ بالإضافة إلى الخيارات المستقرّة و"الأكثر أماناً".
وكما هو الحال دائماً، يبقى التنويع هو الأساس، فكلّما اتّسع نطاق خيارات الاستثمار، زادت فرصكم لمواجهة التقلّبات. وكما أشرنا في مقالات سابقة، تُعدّ استثمارات الأسواق الخاصة وسيلةً فعّالةً للغاية لتحقيق التنويع بعيداً عن الأسواق العامّة.
وقد أشار عدد من المعلّقين بشكل واضح إلى أنّ الأسواق الخاصة تمثّل أحد مجالات النموّ المُحتمل للمستثمرين المستعدّين أن يكونوا استباقيّين في البحث عن الفرص الفرديّة.
الخلاصة
في حين أنّنا نوصي بقراءة الأبحاث المتاحة، من المهمّ أن تتذكّروا أنّ الرؤى على المستوى العالمي تُعتبر مفيدة ولكنّها لا تكون عادةً "قابلة للتنفيذ"، خصوصاً إذا كنتم تسعون إلى تحديد فرص معيّنة.
من الممكن إجراء استثمار سيّئ حتّى في قطاع قوي إذا لم تكن الشركة مهيّأةً بشكل جيّد للاستفادة من البيئة. وبالمثل، يمكن لشركة جيّدة أن تتفوّق على نظيراتها رغم الصعوبات التي يواجهها القطاع أو البلد أو المنطقة بشكل عام.
إن التحلّي بالمرونة يعني الاستباقيّة، وهذا يتطلّب جهداً أكبر من النهج السلبي، ولكن في وقت يتّسم بدرجة عالية من عدم اليقين، يتفوّق العائد على التكلفة بشكل كبير. يسرّنا مناقشة ما يعنيه هذا لمحفظتكم الاستثماريّة في اجتماع فردي. يرجى التواصل معنا إذا كنتم ترغبون بمعرفة المزيد.