وراء الأبواب المغلقة
في ذلك الوقت، أُشير إلى ما سُمِّي بالتخفيض "الضخم" على أنّه "إعادة ضبط" بدلاً من اعتباره إشارة إلى استمرار تخفيض أسعار الفائدة بالسرعة نفسها.
رغم خطوة الفدرالي الجريئة، كشف محضر الاجتماع الأخير أنّ القرار كان مثيراً للجدل إلى حدّ ما.[1] كانت هذه المرّة الأولى التي يعبّر فيها أحد أعضاء اللّجنة (ميشيل باومان) عن معارضته للقرار النهائي منذ نحو عقدين.[2]
المصدر: الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
أشار "متوسّط" آراء جميع الأعضاء إلى تخفيض إضافي بنسبة 0,5% لأسعار الفائدة بحلول نهاية هذا العام، وتخفيض آخر بنسبة 1% بحلول نهاية عام 2025.[3] وتشير التقديرات إلى التوقّع بأنّ الناتج المحلّي الإجمالي سيستمرّ بالنموّ وإن كان بوتيرة بطيئة، وأنّ التوظيف سينخفض مؤقتاً ثمّ يتعافى، وأنّ التضخّم سيستمرّ بالانخفاض.
الاقتصاد
العامل الحاسم في قرار تيسير السياسة النقديّة بعد فترة طويلة من أسعار الفائدة التقييديّة كان التدهور الملحوظ في سوق العمل الأمريكي، كما يشير إليه بشكل أساسي الارتفاع البطيء في نسبة البطالة.
منذ ذلك الوقت، كانت البيانات الاقتصاديّة إيجابيّةً بشكل مفاجئ، حيث أظهر تقرير الوظائف لسبتمبر الذي تجاوز التوقعات استمرار قوّة التوظيف، بينما تراجعت نسبة البطالة إلى 4,1%.[4] بالإضافة إلى ذلك، يشير نموّ مبيعات التجزئة والدخل والمدّخرات إلى الاتّجاه نحو اقتصاد مرن.[5]
تقدّم التضخّم
أثارت أحدث أرقام التضخم وفق مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الدهشة أيضاً، إذ ارتفع المؤشر الأساسي لأسعار المستهلكين للمرّة الأولى منذ عام ونصف، وارتفع المؤشر الكلّي لأسعار المستهلكين بوتيرة أسرع ممّا كان مُتوقّعاً.[6]
من الواضح بالتالي أنّ التضخّم لا ينخفض بسرعة، وأنّ مجالات معيّنة من الاقتصاد تستجيب لذلك بدرجة أقلّ من غيرها.
مع ذلك ومن منظور أكثر شمولية، كان المسار العامّ للتضخّم منحدراً لبعض الوقت. ينطبق ذلك على أهمّ مؤشرات التضخّم، وهو المؤشر الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي (Core PCE)، الذي يُتوقّع أن يُسجّل ارتفاعاً أقلّ من مؤشر أسعار المستهلكين.[7]
بدلاً ممّا يُعرف بـ"الهبوط السلس"، أصبحت عبارة "عدم الهبوط" تُستخدم موخّراً لوصف العودة السلسة إلى الوضع الطبيعي، التي تبدو أنّها تتحقّق الآن على عكس التوقعات.[8]
نظراً لأنّ الفدرالي اقترب من تحقيق نسبته المستهدفة للتضخّم عند 2%، تمكّن من تحقيق هدفه من جهةٍ ما. يركّز الآن على كيفيّة الحفاظ على الوضع بدلاً من إصلاحه.[9]
نظرة الأسواق
بعد الاجتماع الأخير، كان هناك توقع في بعض الأوساط بأنّ أسعار الفائدة ستُخفّض بنسبة 0,5% إضافيّة في اجتماع نوفمبر.
أدّت الإعلانات الاقتصاديّة المتفائلة، خاصّةً تقرير الوظائف وبيانات التضخّم المُفاجئة، إلى اهتزاز مؤقّت في المعنويّات، حيث شكّك بعض المشاركين في السوق فيما إذا كان الفدرالي سيُخفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل على الإطلاق.
مع ذلك، مرّت هذه الشكوك بسرعة نسبيّاً، وحتّى وقت كتابة هذا المقال أُعيد ضبط الآراء. تمّ الإجماع الآن على تخفيض أسعار الفائدة بنسبة 0,25% في 8 نوفمبر،[10] وهو أمر مُرجّح إذا لم تحدث أيّ صدمات إضافيّة كأرقام مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي.
الخلاصة
صرّح محافظ الفدرالي رافاييل بوستيك في مقابلة في أوائل أكتوبر[11] أنّ قرارات الاجتماعات الفرديّة للفدرالي ليست ذات أهميّة كبيرة مقارنةً بالسؤال الأكبر: ما هو "المستوى الطبيعي لأسعار الفائدة" (سعر الفائدة حيث لا يكون الاقتصاد في توسّع ولا في انكماش)؟
بمعنى آخر، أين تتّجه قرارات أسعار الفائدة في نهاية المطاف؟
بالنسبة إلى بوستيك، يتراوح سعر الفائدة الطبيعي بين 3% و3,5%، ولكن تختلف آراء زملائه كما نرى في "المخطّط النقطي" الأخير.
من المرجّح أن يكون للانتخابات الأمريكيّة تأثيراً قويّاً على الإجابة على هذا السؤال. التزم كلّ من هاريس وترامب بتخفيضات ضريبيّة وبرامج إنفاق كبيرة. وبما أنّ هذا سيتطلّب اقتراض حكومي إضافي، قد يكون من الضروري الحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة نسبيّاً لجذب المستثمرين إلى السندات الحكوميّة.
اتّباعاً لنصيحة بوستيك، نعتقد أنّه من الحكمة التركيز أكثر على الصورة العامّة وأقلّ على التفاصيل الفرديّة.
[2] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
[3] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي