بينما قد تكون البيانات الرسميّة غير متاحة، إلّا أنّه لا يوجد نقص في الآراء القويّة. سنفكّك في هذا المقال الآراء المتضاربة ونحاول تسليط الضوء على ما يجب أن يهتمّ به المستثمرون حقّاً.
اجتماع أكتوبر
أصبح الاحتياطي الفدرالي، الذي كان عادةً يتّسم بالإجماع، أكثر انقساماً في الأشهر الأخيرة، ولم يكن الاجتماع الأخير استثناءً، حيث صوّت أحد أعضاء اللّجنة على تثبيت أسعار الفائدة، بينما صوّت آخر على تخفيضها بشكل أسرع. كما اتّخذ الفدرالي خطوةً هامّةً بإيقاف برنامجه للتشديد الكمّي (ابتداءً من 1 ديسمبر)، مبرّراً ذلك بالضغوطات المُتزايدة في أسواق المال.[2]
يضيف المحضر المنشور مؤخراً مزيداً من التفاصيل. بينما صوّتت الأغلبيّة لصالح تخفيض أسعار الفائدة بنسبة 0,25% إلى النطاق المستهدف الحالي 3,75% - 4,00%، كان يفضّل كثير من الأعضاء تثبيت أسعار الفائدة،[3] وكشفت المناقشات حول المسار المستقبلي لأسعار الفائدة عن انقسام متزايد.[4] ورغم غيابها في أكتوبر، إلّا أنّ البيانات المتوفّرة تفسّر سبب هذا الارتباك.
ما نعرفه
أوّلاً، دعونا نأخذ بعين الاعتبار بيانات التوظيف: رغم أنّ الأرقام الأخيرة لشهر سبتمبر (إضافة 119 ألف وظيفة) قد تبدو قويّةً، إلّا أنّ اتّجاه التعيينات الجديدة كان هابطاً منذ عام 2022، وشهدت خسائر صافية للمرّة الأولى هذا العام (في يونيو وأغسطس).
المصدر: بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
يُعدّ الحفاظ على سوق العمل إحدى المهمّتين الواضحتين للفدرالي. سيقول مؤيّدو التخفيضات الإضافيّة لأسعار الفائدة إنّ البيانات المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة المغادرين من القوة العاملة، تشير بوضوح إلى الحاجة لتخفيض أسعار الفائدة.
الجانب الآخر من المعادلة، كما سيشير معارضوهم، هو استمرار التضخم المرتفع.
المصدر: بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس
بدأ التضخم الأساسي في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يُعدّ المقياس الرئيسي للتقدّم بالنسبة إلى الفدرالي، يعاود ارتفاعه منذ أدنى مستوى بلغه في أبريل وهو 2,6%. وتشير توقعات أداة "Nowcast"من بنك الاحتياطي الفدرالي في كليفلاند إلى أنّ المستوى الحالي ما زال حوالي 2,9%، أي أعلى من الهدف بنحو نقطة مئويّة كاملة.
يضع ذلك الفدرالي في مأزق، حيث تتعارض مهمّتاه الرئيسيّتان مع بعضهما البعض، وهذا "الضباب" الذي تسبّبت به فجوة البيانات يعني أنّ كلّ طرف يجب أن يدافع عن موقفه بناءً على القناعة وليس على الحقائق المجرّدة.
النقاش المستمرّ
كانت الإشارة الأوّليّة من باول إلى السوق متشدّدة، أو على الأقلّ غير ملزمة بشكل كبير، حيث صرّح بأنّ تخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر ليس "حتميّاً".[5] ومع ذلك، أظهرت تصريحات من زملائه منذئذٍ أنّ الرأي السائد قد يتحوّل لصالح منع تدهور سوق العمل بشكل أكبر.
شهدت أسواق العقود المستقبليّة تقلّبات كبيرة في توقعاتها.[6] تراجع الإجماع شبه الكامل على تخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر إلى انقسامٍ متساوٍ في منتصف الشهر، عقب تصريحات متشدّدة من مسؤولي الفدرالي (بوستيك[7] وشميد[8]). في المقابل، أدّت التصريحات اللّاحقة اللّيّنة (والر[9] وويليامز[10]) إلى رفع التوقعات إلى 70% بشأن تخفيض إضافيّ حتّى وقت كتابة هذا المقال.
الحجّة الرئيسيّة للمؤيّدين هي الادّعاء بأنّ جزء كبير من التضخم الزائد ناتج عن الزيادات في التعرفات الجمركيّة التي رفعت أسعار السلع، وهو أمر خارج عن سيطرة الفدرالي، ومن المحتمل أن يكون مؤقت.
الخلاصة
عندما يكون صانعو القرار في حالة اختلاف، ماذا يجب أن نفعل نحن كـمستثمرين حيال ذلك؟
الجواب هو أن نخطو خطوة إلى الوراء ونركّز على ما يهمّ، وهو ليس بالضرورة نفس ما يتمّ مناقشته. على سبيل المثال، التأثير المُحتمل للذكاء الاصطناعي كعامل محفّز لإنتاجيّة القوة العاملة (وهو سبب استمرار النموّ الاقتصادي رغم تباطؤ سوق العمل)، أو ما إذا كانت الضغوط على السيولة في سوق المال تشكّل سبباً للقلق بشأن القطاع المالي بشكل عام.
تُعدّ الاتّجاهات طويلة الأجل مثل هذه مهمّة لتحقيق العوائد على المدى الطويل، وهو في النهاية الهدف الأساسي للمستثمر الحقيقي. أمّا نتيجة الاجتماع المقبل فهي مجرّد تخمين، ولحسن الحظ، لا تشكّل تأثيراً طويل الأجل على محفظة المستثمر.
[2] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[7] بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا
[8] بنك الاحتياطي الفدرالي في مدينة كانساس
