كان حجم التخفيض بنسبة 0,5% كبيراً، فالمرّتان الأخيرتان اللتان خُفّضت فيهما أسعار الفائدة بنسبة أعلى من 0,25% كانتا خلال جائحة كورونا عام 2020 [3] والأزمة الماليّة العالميّة عام 2008.[4] وفي حين أنّ هذه الخطوة لا تشير إلى حدوث أزمة، إلّا أنّها تُضفي طابعاً رسميّاً على التحوّل من مكافحة التضخّم إلى مكافحة ركود مُحتمل سببه سوق العمل المتباطئ بشكل كبير.
يشير هذا التخفيض إلى نهاية حقبة. فماذا يمكننا أن نتوقّع من الحقبة الجديدة إذاً؟ وتحديداً، ماذا يعني ذلك للمستثمرين في الأسواق الخاصّة؟
استشراف الأفق
كما تحدثنا سابقاً[5]، تزيد بيئة أسعار الفائدة المرتفعة من صعوبة الاعتماد على إستراتيجيّة استثمار ترتكز على مبدأ "أنّ المد الصاعد يرفع جميع القوارب"، هو الذي يعتمد على الاقتراض الرخيص والتقييمات المتزايدة باستمرار.
إنّ الاستثمار خارج سوق الأسهم في الصفقات الخاصّة، سواء كمستثمرين في الأسهم أو مقرضين خاصّين، أتاح للمستثمرين مساراً بديلاً حتّى الآن.
تشير تقديرات الفدرالي الرسميّة إلى أنّ أسعار الفائدة قد تنخفض بنسبة 2% إضافيّة خلال السنوات القليلة المقبلة.[6] ومن المنطقي التساؤل عمّا إذا كان هذا التحوّل في المسار سيقلّل من جاذبيّة الاستثمارات في الأسواق الخاصّة. سننظر في هذه الفرضيّة بشكل مفصّل أكثر.
حالة السوق الهابط
إذا أصبح رأس المال متاحاً على نطاق واسع، سيكون أمام الشركات المزيد من الخيارات لتمويل النموّ، ما يعني أنّ مستثمري الأسواق الخاصّة سيواجهون منافسةً أكبر على الأصول.
من المرجح أن يُضطر مستثمرو الأسهم إلى تقديم تقييمات أعلى للتنافس مع مقدّمي العروض الآخرين، وقد يخاطرون بالتالي إمّا بخسارة الصفقات أو بدفع مبالغ زائدة للشركات المُستهدفة. في المقابل، سيضطرّ مستثمرو الدين إلى القبول بعوائد منخفضة، ليس فقط نتيجة البيئة ذات أسعار الفائدة المنخفضة بل أيضاً في ظلّ عودة المقرضين التقليديّين إلى السوق لتقديم أسعار فائدة أكثر جاذبية.
بقدر ما تشير خطوة الفدرالي إلى احتمال حدوث ركود (رغم عدم توقّع ذلك بعد)، قد يمثّل الالتزام بالاستثمار التقليدي (كالأسواق العامّة) الخيار الأكثر حكمة حاليّاً.
وجهة النظر المقابلة
في حين أنّ الحجج المذكورة أعلاه صحيحة إلى حدّ ما، إلّا أنّها تمثّل رؤيةً محدودةً لما ينطوي عليه الاستثمار في الأسواق الخاصّة.
صحيح أنّ المزيد من الأشخاص يمكنهم الدخول إلى مجال الأسواق الخاصّة إذا استمرّت تكلفة رأس المال بالتراجع، لكن الاستثمار الناجح في الأسواق الخاصّة يعتمد على تقدير فريق الصفقات وليس على الظروف الاقتصاديّة الأوسع نطاقاً في السوق.
على سبيل المثال، سيكون هناك مجالات يفتقر فيها المقرضون التقليديّون إلى الثقة والخبرة، حيث يمكن للمقرضين الخاصّين أن يقدّموا التمويل بالإضافة إلى شروط إقراض أكثر تخصيصاً ومرونة. وبالمثل، يعتمد نجاح استثمارات الأسهم الخاصّة بالتحديد على القدرة على تجاوز الضجيج والاستثمار في شركات وقطاعات أقلّ عرضة للفقاعات والانهيارات المُحتملة إذا ومتى حدث الركود.
تشير مقاييس رئيسيّة كثيرة إلى أنّ التقييمات العامّة مرتفعة اليوم مقارنةً بالمعدّلات التاريخيّة.[7] تميل أسعار الفائدة المنخفضة إلى تحسين التقييمات أو على الأقلّ تثبيتها، لكنّ النموّ في الأرباح مطلوب في نهاية المطاف للحفاظ على مستوياتها عبر الأزمات الاقتصاديّة الأوسع نطاقاً. بالمقابل، يمكن للأسواق الخاصّة أن تقدّم للمستثمرين تقييمات أقلّ مع احتمال نموّ أقوى.
الخلاصة
الاستثمار موجود في شكلين: "ذكي" و"شبيه بالقطيع".[8] بينما يتطلّب الشكل الثاني خلفيّة اقتصاديّة معيّنة للنجاح، يُمكن للشكل "الذكي" أن يزدهر في معظم الظروف.
بالإضافة إلى ذلك، يبقى مبدأ التنويع أكثر أهميّة في أوقات عدم اليقين المتزايد. وحتّى إذا كانت التوقعات حول الأسواق العامّة إيجابيّةً، إلّا أنّ الحفاظ على الانكشاف على عالم الشركات الخاصّة (الأكبر بكثير) يُعدّ أداةً أساسيّةً للحماية من المخاطر.
من المبكر جدّاً استخلاص أي استنتاجات قاطعة حول التأثيرات طويلة الأجل للسياسة النقديّة الأمريكيّة من حيث التقييمات، سواء في الأسواق العامّة أو الخاصّة، أو كيف ستتغيّر ديناميكيّات الاستثمار في الأسواق الخاصّة نتيجةً لذلك.
المهمّة الأساسيّة للمستثمرين هي الاحتفاظ بالقدرة على التمييز بين السلوكين "الذكي" و"الشبيه بالقطيع"، وإذا أمكن، العثور على فريق يمتلك الخبرة وشبكة العلاقات والسجل الحافل لتوجيههم عبر البيئة القادمة والتي لا تزال غامضة.
[2] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
[3] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
[4] الاحتياطي الفدرالي الأمريكي