تحليل اجتماع مايو
يكشف محضر الاجتماع في 6 و7 مايو، بالإضافة إلى التصريحات العلنيّة التي أدلى بها الرئيس جيروم باول لاحقاً، عن شعور واضح بعدم الارتياح بين أعضاء اللّجنة.[1] في ذلك الوقت، كانت النسخة الأكثر تشدّداً من برنامج التعرفات الجمركيّة الذي أعلنه ترامب ما تزال قائمة، وشملت تعرفات جمركيّة إضافيّة بنسبة 145% على السلع الصينيّة، وغيرها من التدابير.
كما اعتُبر أنّ احتمال فرض تعرفات جمركيّة لفترة طويلة قد يؤدّي إلى ارتفاع التضخّم (بسبب ارتفاع الأسعار) وتباطؤ الاقتصاد (بسبب تسريح الشركات لعمّالها وتقليص خطط النموّ). يُعرف هذا المزيج بـ"التضخّم الركودي"، وقد يضع الفدرالي في موقف صعب، إذ لا يمكن لتخفيض أسعار الفائدة ولا زيادتها معالجة المشكلتين في آنٍ واحد.[2]
في الخلفيّة، تسود أيضاً المخاوف من سوء تقدير الفدرالي للارتفاع الأخير في التضخّم الذي استبعده في البداية واعتبره مؤقت.[3] وأشار جيروم باول إلى أنّ نهج "الانتظار والترقّب" الحالي من المُرجّح أن يستمرّ، نظراً لأنّ تكاليف الانتظار للحصول على المزيد من الوضوح بشأن الاقتصاد ما زالت "منخفضةً نسبيّاً".[4]
الحرب التجاريّة مُستمرّة
رغم وصفها بحرب، إلّا أنّ المسار الفعلي للتعرفات الجمركيّة التي أعلن ترامب عنها في يوم التحرير يبدو أشبه بمراوغة. فبعد وقت قصير من اجتماع الفدرالي في مايو، توصّل فريق التفاوض في الولايات المتّحدة بشكل غير مُتوقّع إلى اتّفاق مع الوفد الصيني في جنيف، ما أدّى إلى تخفيض التعرفات الجمركيّة من 145% إلى 30%.[5] في وقتٍ لاحقٍ من الشهر، تحقّق تقدّماً مماثلاً على جبهة الاتّحاد الأوروبي، حيث تأجّل فرض التعرفات الجمركيّة بنسبة 50% حتّى يوليو.[6]
مع ذلك، تبقى الصورة في حالة تغيّر مُستمرّ، إذ تختفي التعرفات الجمركيّة وثمّ تُهدّد بالعودة بشكل متكرّر وسريع يصعب التنبّؤ به، بينما تتسبّب العلاقات المتوتّرة مع القوى الأجنبيّة بمؤشرات مُتضاربة باستمرار.[7]
وإذا صحّت الشكوك القائلة إنّ التعرفات الجمركيّة هي بالنسبة إلى ترامب مجرّد وسيلة لتحقيق غاية مُعيّنة وليست هدفاً بحدّ ذاتها، فقد تستمرّ هذه الحالة إلى أجلٍ غير مُسمّى، أو حتّى ترى إدارة ترامب أنّها وصلت إلى نتيجةٍ مقبولةٍ مقارنةً بالوضع السابق.
بالتالي، لا يبقى أمام المراقبين، ومن بينهم الفدرالي، سوى تبنّي نهج "الانتظار والترقّب".
نظرة إلى الوراء
يصرّ الفدرالي على أنّ مواقفه يجب أن تستند إلى البيانات، ومن الناحية النظريّة، يجب أن تبعث البيانات في هذه الحالة إلى التفاؤل.
تراجع مقياسا التضخّم، وهما مؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأكثر أهميّة، خلال أبريل على أساس سنوي وفقاً للبيانات التي صدرت في مايو.[8] وفي حين أنّ مؤشر النفقات الكلّيّة للاستهلاك الشخصي تراجع إلى 2,1%، بلغ مؤشر النفقات الأساسيّة للاستهلاك الشخصي (أي من دون الغذاء والطاقة) 2,5%، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2021.[9]
أمّا التوظيف الذي يُشكّل الجزء الثاني من مهمّة الفدرالي فيبدو أيضاً أنّه في وضع جيّد، كما بقيت البطالة عند 4,2%[10] خلال أبريل، ما يُعدّ مستوى منخفض تاريخيّاً. بالإضافة إلى ذلك، يبدو وضع الناتج المحلّي الإجمالي جيّداً، والنشاط غير المُعتاد الوحيد هو هرع المؤسسات في الولايات المتّحدة لتقديم الطلبات قبل سريان التعرفات الجمركيّة.[11]
قد يقول المنتقدون إنّ كلّ هذا يبدو جيّداً، إلّا أنّ المستويات الحاليّة لعدم اليقين تعني أنّ البيانات السابقة قد لا تكون ذات تأثير يُذكر على ما قد يحدث لاحقاً.
الخلاصة
أعرب مسؤولو الفدرالي عن آراء مُتباينة بشأن كيف سينتهي العام، فيرى الحاكم كريستوفر والر أنّ الفوضى المرتبطة بالتعرفات الجمركيّة ستُحلّ وتستقرّ عند تعرفات جمركيّة أساسيّة بنسبة 15%، وأنّ أسعار الفائدة قد تُخفّض في وقت لاحق من العام.[12] في المقابل، يتوخّى أعضاء آخرين مثل رئيسة الفدرالي في دالاس، لوري لوغان، الحذر بشأن الالتزام بتخفيض أسعار الفائدة في الوقت الراهن.[13]
نظراً لانقسام آراء الفدرالي نفسه بشأن مسار الأحداث، فإنّنا نرى أنّه من المنطقي تجنّب التعلّق بشكل مفرط بأيّ سيناريو مُعيّن للمستقبل. فالاستثمار الناجح ليس قائماً على التنبّؤ، بل على معرفة متى وكيف يجب التصرّف.
[1] الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتّحدة
[8] بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس